الثورة اون لاين -عبد الحليم سعود:
خطوات التطبيع المستهجنة مع الكيان الصهيوني تتوالى، حيث بلغ قطار التطبيع محطة جديدة تدور في الفلك الأميركي هي “مملكة البحرين” حيث أعلن حكامها انضمامهم إلى هذا المسار الانبطاحي الذي لا مبرر له سوى خدمة المشاريع الأميركية والإسرائيلية، وذلك تحت عنوان “السلام” الذي يروج له حكام كيان العدوان والإرهاب والاحتلال وفي مقدمتهم الإرهابي المأزوم بنيامين نتنياهو، حيث لا يختلف متابعان لقضايا المنطقة والصراع العربي الصهيوني بأن ما يجري في هذه القضية هذه الأيام هو قتل حقيقي للسلام المنشود وتدمير ممنهج لأي تسوية عادلة للصراع وتشجيع للكيان الغاشم على المضي في سياسته العدوانية، ولا سيما أن حقوق الشعب الفلسطيني مازالت ضائعة وأرض دولته المنشودة ما زالت مغتصبة، فيما القدس المحتلة والأقصى المبارك يدنسان كل يوم من قبل عصابات المستوطنين، ومن المرجح أن يستغل ترامب “المأزوم” أيضاً هذه الخطوة في معركته الانتخابية للفوز بولاية ثانية ضد منافسه الديمقراطي جو بايدن، وأن يتعاطى معها كما لو أنها “إنجاز” حقيقي للسلام في أعقد وأطول صراع يشهده الشرق الأوسط، وأن يتلقفها نتنياهو بدوره للهروب من أزماته الداخلية وقضايا الفساد التي تلاحقه.
لا يجادل عاقل في أن خطوات التطبيع الجارية، والتي من الممكن أن تعقبهما خطوات مشابهة من قبل محور “الاعتدال” – حسب الرؤية الأميركية – هي بعيدة كل البعد عن السلام الذي تحتاجه منطقتنا، لأن السلام الذي تحتاجه منطقتنا والذي نص عليه كل من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 والمبادرة العربية المقدمة في قمة بيروت عام 2002يؤمن عودة الأرض المحتلة والحقوق المغتصبة، ويلزم الكيان الصهيوني تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة إلى خط الرابع من حزيران عام 1967، والكف عن أطماعه التوسعية واعتداءاته الإجرامية المستمرة على الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن مسلسل التطبيع المجاني لا يعدو كونه خدمة مستعجلة للرئيس الأميركي الذي يخوض معركة انتخابية قاسية ضد خصومه الديمقراطيين، حيث يحتاج لمساعدة اللوبي الصهيوني المؤثر في الولايات المتحدة، كي يستطيع التجديد في البيت الأبيض لولاية ثانية.
المثير للسخرية أن المطبعين يتحدثون دائماً باسم الشعب الفلسطيني كما لو أنهم أوصياء عليه، ويدعون حرصهم على حقوقه المشروعة، في الوقت الذي سمع فيه كل من لديه أذنان رفض هذا الشعب المكافح بكل مكوناته هذا المسار التنازلي المجاني جملة وتفصيلاً، وأبدى استهجانه واستغرابه وإدانته لكل عمل يتجاهل مطالبه المشروعة أو يصادر قراره الوطني ويتحدث بالنيابة عنه، وهو الأدرى والأعلم بما يخطط له هذا الكيان الغاصب على طريق تصفية حقوقه المشروعة، حيث يريد أن يحصل على كل شيء “الأرض والمياه والأمن والسلام..إلخ” دون أن يقدم للفلسطينيين شيئاً سوى الوعود التي تدحضها إجراءاته وانتهاكاته اليومية على الأرض، حيث الاعتداءات والاعتقالات والاغتيالات وسرقة الأراضي وإقامة المستوطنات وتدنيس المقدسات لم تتوقف يوماً رغم كل الضجة المرافقة لمهزلة التطبيع والحديث عن “السلام”.
اللافت للنظر أن تساقط المهرولين نحو التطبيع في أحضان أميركا وإسرائيل يأتي من حيث التوقيت في ذروة الهمجية والعدوانية الإسرائيلية والأميركية في منطقتنا وحروبهما الارهابية المستمرة ضد سورية التي تحتضن وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وفي ذروة إجراءات الحصار والعقوبات الإجرامية التي تفرضها الولايات المتحدة بحق كل من يناهض مشاريعها ومخططاتها، وخاصة سورية وحركات المقاومة العربية التي ترفع لواء الدفاع عن فلسطين، فكيف لمن ينفذون أوامر ترامب صاغرين أن يتحدثوا عن “سلام الشجعان” مع عدو يستهدفهم ويستهدف ثرواتهم وأمنهم وهم لم يخوضوا بالأساس حرباً معه، ألم يكن الأولى بهم أن يبحثوا عن السلام للشعب اليمني بدل أن يقدموا هذا “السلام” هدية مجانية لمن ينتهك أرضهم ويستهدف أشقاءهم وجيرانهم بعدوانيته وأطماعه..؟!
بطبيعة الحال، لن يحقق الكيان الصهيوني من هرولة هؤلاء إلى حضنه شيئاً يُذكر، لأن أصحاب القضية الأصليين ما زالوا متمسكين بها يدافعون عنها بكل إصرار، وقد سبق أن هرول آخرون في مناسبات عديدة إلى هذا المسار ولم يستطيعوا إنقاذ الكيان من عجزه المزمن، وبالتالي لن يضر القضية انكشاف وافتضاح حقيقة المتاجرين بها، لأنهم بالأساس لم يكونوا يوماً أصحابها..!