الدخان الوطني يباع في السوق السوداء ومؤسسة التبغ لا تعلم بوجود محتكرين الإنتاج الحالي يغطي 25% من حاجة السوق فقط
الثورة أون لاين – تحقيق محمود ديبو:
أحجية الدخان الوطني وارتفاع أسعاره غير المفهوم وعدم توفره في الكثير من محلات بيع الدخان المرخصة باتت تفاصيلها مكشوفة للجميع فالقصة تتلخص بأنها حالة استغلال أو سعي للربح الفاحش بعد ارتفاع الطلب على هذه المادة خلال الشهرين الماضيين بسبب غلاء أسعار الدخان الأجنبي واضطرار المدخنين إلى اللجوء للدخان الوطني، الأمر الذي دفع بعض المستغلين إلى شراء أكبر كمية ممكنة من أصحاب الرخص بعد إغرائهم بأرباح لم يكونوا يحلمون بها، ومن ثم فرض السعر الأعلى حيث وصلت علبة الدخان من الحمراء الطويلة إلى حدود 800 – 900 ليرة هذا إذا توافرت، وباقي الأصناف تراوحت أسعارها بين 650 – 750 ليرة..
– شكاوى ملاحظات
وخلال البحث والمتابعة في هذا الملف تبين لنا أن هناك الكثير من الحالات التي يشتكي منها بعض أصحاب الرخص من عدم حصولهم على مخصصاتهم، وخاصة في طرطوس وجبلة، وبعض مراكز المنطقة الجنوبية، لأسباب كثيرة من ضمنها بحسب الشكاوى التي اطلعنا عليها أن هناك (خيار وفقوس) في عمليات التسليم يعتمدها بعض موظفي المراكز مع أصحاب الرخص.
كما علمنا أن بعض أصحاب الرخص ذات الكميات الكبيرة لا يحصلون على مخصصاتهم بشكل دوري ما يضطرهم للجوء إلى تجار لا يلتزمون بسعر المؤسسة وهامش الربح المسموح به.
ويتساءل البعض عن الأسعار الجديدة التي حددتها المؤسسة لمختلف الأصناف التي تنتجها من الدخان الوطني، التي صدرت الأسبوع الماضي إلا أن أحداً لم يحصل عليها وفي هذا ما يثير استغراب الكثيرين، ويبقي الأمر مفتوحاً على احتمالات كثيرة ويعطي فرصة للمستغلين للتلاعب وفرض أعلى سعر دون أن يجدوا من يمنعهم من ذلك..
– كيف تعاملت المؤسسة؟
ويبقى السؤال ما هي إجراءات المؤسسة العامة للتبغ لمعالجة هذا الواقع ، وماذا فعلت لمواجهة المستغلين، وهل يكفي تخصيص رقم للشكاوى لتحصيل حق المواطنين وتخليصهم من المستغلين والمتاجرين..؟؟ فيما ما تزال مشاهد الازدحام والفوضى والتدافع على أبواب مراكز التوزيع في بعض المحافظات والمدن هي العنوان الأكثر وضوحاً ، مع استمرار المرخصين بالمطالبة بتنظيم البيع في تلك المراكز وزيادة عدد المنافذ خاصة بعد أن قامت المؤسسة بمنح ذوي الشهداء والجرحى تراخيص للحصول على الدخان الوطني، الأمر الذي زاد عدد المراجعين لتلك المراكز للحصول على مخصصاتهم بحسب الرخص التي معهم.
رفعنا أسعارنا
وفي محاولة لاستيضاح الأمر من إدارة المؤسسة العامة للتبغ ومعرفة الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الدخان الوطني بشكل غير منطقي وبيعه بالسوق السوداء، طرحنا جملة من الأسئلة علها تحمل لنا الإجابات الشافية لما يحدث ، وما هي الإجراءات التي قد تتخذ لمعالجة هذا الواقع.
فمن جهة أكدت إدارة المؤسسة في ردها أنه لم يكن هناك بد من رفع أسعار منتجاتها لتتمكن من الاستمرار بتوفير الدخان الوطني في الأسواق المحلية ، ذلك أن فقدانها يحدث أزمة في السوق نظراً لخصوصيتها، إلا أن إدارة المؤسسة رأت أن أسعار البيع الحالية للمستهلك ليست مرتفعة قياساً بأسعار المواد الأخرى على اختلافها.
وساقت المؤسسة مبررات رفع أسعار منتجاتها بالقول إن عملية تصنيع السجائر تمر بعدة مراحل حتى تصل إلى المستهلك بالشكل الذي نراه، ويدخل في صناعتها العديد من المواد الأولية والذي يتجاوز عددها (70) مادة، إضافة إلى المادة الأساسية وهي مادة التبغ الخام، والتي تشكل نسبتها ما بين (43-46%) من كلفة المنتج النهائي.
وقد تأثرت مادة التبغ كغيرها من المواد والسلع الاستهلاكية سلباً من المقاطعة الاقتصادية والمصرفية المفروضة على سورية بشكل عام، وعلى المؤسسة العامة للتبغ بشكل خاص، ومع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع أسعار المواد الأولية بنسب كبيرة تجاوزت 200% لكل مادة إضافة إلى ارتفاع أسعار التبوغ للموسم الحالي كان لا بد معه من رفع أسعار منتجات المؤسسة من الدخان.
ورغم أننا (الثورة) طلبنا في سؤالنا معرفة الأسعار الجديدة إلا أن إدارة المؤسسة لم تزودنا بالتسعيرة الجديدة..!!
إلغاء ترخيص المخالفين والمتأخرين
وتشير إدارة المؤسسة إلى أنها لم تلجأ إلى إلغاء تجديد الرخص إلا للمرخص الذي لا يجددها في موعدها المناسب أو الذي خالف تعليمات المؤسسة، (مع الإشارة هنا إلى أن عدداً من التساؤلات وردت من بعض المرخصين عن الأسباب التي حالت دون تجديدهم لرخصهم).
– رخص لذوي الشهداء والجرحى
كذلك تشير إدارة المؤسسة في سياق الرد على تساؤلاتنا بأنه وحرصاً منها على إيجاد مصدر رزق لذوي الشهداء وجرحى الجيش فقد عممت على كافة فروعها ومراكزها بمنح هؤلاء رخص بيع مصنوعات وطنية في مناطق سكنهم تساعدهم على تأمين مصدر رزق أساسي قدر الإمكان.
تلاعب بالأسعار
وتؤكد إدارة المؤسسة في ردها أن عدة شكاوى تصلها يومياً من مواطنين تفيد بقيام بعض موزعي المصنوعات المحلية (الدخان) من مرخصين ورؤساء باعة بالبيع بأعلى من الأسعار المطروحة من قبل المؤسسة، ولذلك قامت المؤسسة باتخاذ عدة إجراءات للحد من هذه الظاهرة والحصول على المادة بيسر وسهولة من خلال توزيع المصنوعات على المرخصين العاديين (سمانة) من دون وجود وسيط ورؤساء الباعة المعتمدين، وعلى مراكز البيع التابعة للمؤسسة المتوزعة في كافة المدن والمحافظات، وعلى فروع المؤسسة السورية للتجارة كونها تملك مراكز في كافة المحافظات، وكذلك على المؤسسة الاجتماعية العسكرية، وكان الهدف من هذا الإجراء هو توسيع شبكة التوزيع لتوفير المادة والقضاء على قيام البعض بزيادة أسعارها وعدم احتكار بيعها بفئة معينة.
تأمين المادة في السوق المحلية
ولمزيد من الإيضاح سألنا إدارة المؤسسة هل يمكن أن نقول أن هناك من يحتكر الدخان الوطني (باعة، موزعين..) حتى وصلت الأسعار إلى ما هي عليه اليوم، فكان الرد أن المؤسسة ليس لديها أي معلومات بوجود مثل هؤلاء الموزعين لأن المؤسسة في ظل الظروف الحالية والتي تمر بها البلاد والتي أثرت بشكل مباشر على نسب تنفيذ خططها الإنتاجية والتسويقية، تسعى المؤسسة إلى تأمين ما تستطيع من المادة رغم كافة الظروف حيث يتم توزيع الإنتاج بالتساوي بين الجهات المذكورة (مرخصين، مراكز بيع مؤسسة التبغ، ومراكز بيع السورية للتجارة والاجتماعية العسكرية).
عرض وطلب
وبحسب ردها فقد بينت إدارة المؤسسة أنها تعتقد أن سبب ارتفاع أسعار الدخان الوطني هو ارتفاع أسعار الدخان الأجنبي وانخفاض القوة الشرائية للمستهلك وتفضيله للمنتج الوطني على الأجنبي، وبالتالي هذا أدى إلى أن يصبح الطلب أكثر من إنتاج المؤسسة خاصة بعد خروج معامل حلب ودمشق من الخدمة وانخفاض الطاقة الإنتاجية، حيث تغطي المؤسسة حالياً نحو 25% من حاجة السوق فقط..
ضبط حالات عديدة لمتلاعبين
ونبقى في الحديث عن حالات التلاعب التي تشهدها السوق المحلية من قبل البعض وبيع الدخان الوطني بأسعار السوق السوداء دون حسيب أو رقيب، وهنا سألنا إدارة المؤسسة إن كان وضع رقم للشكاوى عن أي حالة تلاعب قد استطاع ضبط بعض الحالات وعن الآلية لمتابعة المخالفين والمتلاعبين بالأسعار، لتبين إدارة المؤسسة أنها تقوم بتعميم أسعار بيعها على كافة مديريات التموين في المحافظات ووزارة الصناعة والاقتصاد وجهاز المكافحة العامل في المؤسسة وترسل قوائم بأسماء الباعة الذين يستلمون المصنوعات باستمرار إلى مديريات التموين في المحافظات، وذلك بهدف تعاون هذه الجهات للحد من تلاعب المخالفين بالأسعار، وقد تم ضبط حالات عديدة تمثلت بإلغاء رخص عدد من المرخصين ورؤساء الباعة ، بالإضافة إلى حسم 10% من تأمينات رؤساء الباعة المخالفين لتعليمات المؤسسة الخاصة بأسعار البيع، وقد أهابت المؤسسة بالمواطنين التعاون مع مديريات التموين في المحافظات للحد من هذه الحالات.
– لا شكاوى بعد الساعة 12 ظهراً
وفي هذا نشير إلى أننا قمنا بالاتصال بالرقم الذي كانت المؤسسة قد أعلنت عنه بأنه مخصص لتلقي الشكاوى في دمشق لنتلقى إجابة بأن الشكاوى يتم استقبالها خلال الدوام الرسمي من الساعة التاسعة وحتى الثانية عشرة فقط بحسب الشخص الذي عرف عن نفسه بأنه حارس المؤسسة وأن الخط يحول إلى عنده بعد انقضاء الدوام الرسمي وهو غير مخول بتلقي الشكاوى.
3% هامش ربح البائع
أما عن هوامش الربح المسموح بها للباعة فقد بينت إدارة المؤسسة أنه لا يسمح لأحد من المواطنين بالقيام بمزاولة بيع السجائر الوطنية إلا بعد أن يحصل على رخصة بيع تخوله بيع المصنوعات المحلية ضمن مدن ومحافظات القطر، وتحدد له التزاماته وأهمها البيع بالسعر الذي تحدده المؤسسة وحسب نظام البيع النافذ فإن أعلى هامش ربح محدد لهؤلاء الباعة هو 3% فقط ، وعليه أن يلتزم بهذا الهامش وإلا فإنه يتعرض لعقوبات رادعة ولإلغاء الترخيص.
أما بعد ..
بعد كل هذا ورغم ما بينته المؤسسة إلا أننا ما نزال نشهد بيع الدخان الوطني في السوق السوداء وبأسعار مرتفعة ومن دون رادع أو وازع من أولئك الباعة، وفي دمشق حاولنا سؤال بعض الباعة الذين يبيعون بأسعار مرتفعة فبرروا ذلك بأنهم هم أيضا يحصلون عليه بأسعار مرتفعة جداً ، وهم بدورهم سيضعون هامش ربح إضافي ويبيعونه للمستهلك بالسعر المعروف والذي يصل إلى 900 ليرة للحمراء الطويلة القديمة أو الجديدة وباقي الأصناف لها تسعيرات أقلها 700 ليرة.
ما يعني أن هناك سلسلة من الحلقات المفقودة وليست حلقة واحدة، هي التي تدفع بالدخان الوطني إلى أحضان السوق السوداء بكل سهولة ويسر، بعد أن كان متوافراً في جميع البقاليات والأكشاك وحتى البسطات ومحلات الباعة المختلفة وغيرها، وإن كان الطلب قد ارتفع على الدخان الوطني في فترة محددة هي الفترة التي تضاعف فيها سعر الدخان الأجنبي، فقد تبعها فترة تراجعت فيه أسعار الدخان الأجنبي كثيراً وحتى الان وأصبح بعضها أقل أو يوازي الدخان الوطني، حيث تباع بعض الأصناف بأقل من 700 ليرة ، في حين أن أقل نوع من الدخان الوطني يباع بهذا السعر، إلى جانب ذلك فقد انتعشت هذه الفترة تجارة الدخان العربي الذي بات ملاذاً للكثيرين ممن لم يعودوا قادرين على تحمل أسعار الدخان المصنع سواء الوطني أو الأجنبي ما يعني أن الطلب على الدخان الوطني قد تراجع ولو بنسبة معينة.
فالمشكلة قائمة والمواطن يواجه الاستغلال بأبشع أشكاله من قبل البعض دون أن يكون قادراً على رد الأذى عنه، وقد تستمر هذه المعاناة وهذا الاستغلال إذا لم يتم إيجاد آليات مناسبة لمعالجة هذا الخلل الذي يبدو أن مختلف الجهود تقف أمامه موقف العاجز والمتفرج