يشي مشهد الأحداث الإقليمية والدولية بأن المنطقة تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تزيد من احتمالات المواجهة المفتوحة، فثمة توجه أميركي وصهيوني لتكريس واقع جديد يبنى على مسألة تثبيت التحالف العدائي ضد محور المقاومة وتفعيله، بهدف إضعاف هذا المحور وشل قدراته وإمكانياته، هذا التحالف الذي أرست قواعده وحوامله سنوات طويلة من العلاقات السرية، يضم جوقة المهرولين والمطبعين، ويقوده الكيان الصهيوني الساعي لأخذ دور الولايات المتحدة التخريبي على خلفية عجزها الواضح في تحقيق المشروع الاستعماري المعد للمنطقة، وهذا يطرح جملة تساؤلات حول إمكانية هذا التحالف من تحقيق غرضه، هل يجلب الأمن للكيان الغاصب؟ هل يعطي هذا الكيان مشروعية وجوده، ويثبته كلاعب رئيسي يتحكم بمصير شعوب المنطقة؟ وهل يساعد في تصفية الوجود الفلسطيني؟ وهل يثني الفلسطينيين عن خيارهم المقاوم؟ والأهم من كل ذلك هل بمقدوره إخضاع محور المقاومة؟ وبالتالي تحقيق هدف السيطرة على المنطقة بأسرها، وجعلها تدور في الأميركي والصهيوني؟
اليوم، من المقرر أن تشهد واشنطن حفل تدشين رسمي لعملية التطبيع المجاني، والتي تؤسس لانضمام المنتظرين على لائحة التوقيت الزمني، ومنهم مملكة الرمال التي ستكون “الجائزة الكبرى” للقائمين على “صفقة القرن”، هي بطبيعة الحال العراب الرئيسي لمحطة التدشين هذه، باعتبارها صاحبة الرأي والمشورة للأنظمة المستعربة الدائرة في الفلك الصهيوني والأميركي، ومختطفة جامعة النعاج التي تصفق لكل ما يسر خاطر نتنياهو وترامب، وقد تفعل خيراً السلطة الفلسطينية بحال صوبت بالفعل علاقتها بهذه الجامعة، لتنأى بنفسها عن لعنات التاريخ، تخيلوا كلام الناطق الصهيوني باسم هذه الجامعة بأن كل هذا التهافت الأعرابي وفق الشروط الإسرائيلية لن يؤثر على القضية الفلسطينية!، ربما يدرك الجميع الآن مغزى تجميد عضوية سورية في هذه الجامعة، والهدف الرئيسي من وراء الحرب الإرهابية التي تشن ضدها بمشاركة الكثير من الدول الناطقة بالعربية.
من المؤكد أن مسار التطبيع الذي يأخذ شكل التحالف، لا يهدف مطلقاً إلى إنهاء الاحتلال وتحرير فلسطين، ولا يهمه أي حق من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإنما المساعدة في الإجهاز على ما تبقى من هذه الحقوق، وهذا يعني أن ما عجز عنه الكيان الصهيوني وداعمه الأميركي، سيتكفل به المطبعون، وهذا لا يكون إلا بمواجهة المحور المقاوم الذي يتصدى للمشروع الصهيوني، ويقف عائقاً أمام تصفية القضية الفلسطينية، والتمدد الإسرائيلي في المنطقة، وهذه المواجهة ستأخذ أشكالاً وأبعاداً مختلفة، والأكيد أن الصهاينة سيكونون الطرف الخاسر بهذه المواجهة، لأن قدرات محور المقاومة تتعاظم يوماً بعد يوم، وفرض نفسه كمعادلة صلبة على مسرح الأحداث يستحيل كسرها أو تفكيكها، كذلك فإن عملية التطبيع الجارية لا يمكن أن توفر الحماية لأمن الكيان الصهيوني، وإنما تضعه على فوهة البركان، فماذا يعني تشكيل “قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية الفلسطينية”، أليست المقاومة الشعبية هي أشد إيلاماً للعدو الصهيوني، وكلنا يتذكر الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000، واللتين هزتا أركان حكومة العدو، إذاً ماذا سيجني “حلف التطبيع” غير الخيبة والذل.
الولايات المتحدة تتوهم كثيراً بأن مسار التطبيع قد يحقق رؤيتها المستقبلية للمنطقة، بما يضمن مصلحة الكيان الصهيوني، فما يجري اليوم هو بالحقيقة انعكاس لفشل مشروعها، وعجزها عن إخضاع الشعوب الحرة والمقاومة في المنطقة، وهذا المسار لا يعدو أكثر من بازار انتخابي يستثمر فيه ترامب ونتنياهو، فيما يسدد المطبعون من خلاله فواتير الحماية الأميركية.
نبض الحدث-بقلم أمين التحرير-ناصر منذر