الثورة أون ﻻين – آنا عزيز الخضر:
مشهد يومي يبدو للوهلة الأولى، على غاية من البساطة، لكنه يحمل بين سطوره مساحات حياة، استحضرت أمامنا حاﻻت لخصت تناقضات، مفارقات، إشكاليات معقدة، وجلبت شخصيات تتابين في سلوكها، حياتها ومواقفها من الحياة، وقد صورت هذه الحالات نماذج كثيرة، تلقائية حيناً وحيناً آخر كثفت أوجاع الحياة.
كل ذلك رآه سائق تكسي يجوب المدينة في فيلم «يوم عادي جداً» تأليف وإخراج «أنس الزواهرة» الفيلم الذي حصل على الجائزة الذهبية في مهرجان أفلام الشباب القصيرة الدورة السابعة.
في الفيلم، يسعى السائق لرزقه محاوﻻً طرح مشاكله استعطافاً حيناً، وحيناً آخر ابتزازاً، فيظهر له كل تلك الحاﻻت، فيأتي في طريقه الغني والفقير والبخيل المستهتر، المجنون، المثقف، وكلهم يتشابهون وإياه في الواقع.. كل له مشاكله وله ظروفه، له عقده ومآسيه، ومع ذلك يتابع السائق محاوﻻته في مغالبة الحياة، لكنه يفشل بحكم كل تلك التعقيدات والصعوبات.
التقينا مخرج الفيلم «أنس الزواهرة» وقد تحدث عن الجائزة وعلاقة الفن بالواقع، وعديد من القضايا الفنية الأخرى فقال:
«الجائزة طبعاً مهمة بالنسبة لي، لأنها تقدير كبير مِن مشاهد العمل، وهي كلمة شكر على كم الجهد والتعب الذي بذلته أنا وفريق العمل خلال فترة التحضير والتصوير وأيام العمليات الفنية، وهي أيضاً حافز لي لإنجاز مشاريع أخرى أنضج وأهم من التجربة الأولى.
لكن أقولها بكل صدق، لم يكن هدفي الحصول على أي جائزة في البداية، كان همي الأول في التعلم قدر الإمكان من هذه التجربة، وبالتالي الاستمتاع بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة أثناء العمل عليه، وفي ذات الوقت إنجاز عمل صادق، يشبهني ويشبه العالم من حولي ويكون قادراً على تقديم بعض المتعة أثناء المشاهدة.
أما بالنسبة لتوقعي بأن يحصل الفيلم على الجائزة، فلا لم أتوقعها كانت مفاجئة نوعاً ما، وهذا جميل جداً.
بالنسبة لعلاقة الفن بالواقع، إنهما متداخلان في نفس القالب، ولا يمكن تجزئة أحدهما عن الآخر، فلا يمكن أن يكون هناك فن من دون واقع يحيط به، لأن الفنان الصادق يتشرب من البيئة التي تحتضنه، قضاياه ومشاكله وقصصه، ويعالج هذه المشاكل حسب رؤيته الخاصة، وبذلك يصنع فنه الخاص الذي لا يشبه فيه أحد، وهذا ما يميز فناناً يعيش في سورية مثلاً عن فنان آخر يعيش في بقعة أخرى.
وهذه المسؤولية لا يستطيع أي كان تحمل حملها، فهي هم كبير جداً ومهمة صعبة على الأقل بالنسبة لي.
أما عن فكرة العمل، فلا بد من القول إنها فرضت أسلوباً فنياً خاصاً.. نعم الفكرة بحد ذاتها فرضت أسلوباً خاصاً بها، كالكاميرا حرة الحركة داخل سيارة صغيرة، تتحرك من اليمين إلى اليسار ومن الخلف إلى الأمام وبالعكس، وهو أمر يشبه تصوير الأفلام التسجيلية أكثر من الدرامية، وذلك كان نقطة جيدة في صالح الفيلم، لأنها كانت أكثر صدقاً في التعاطي مع الحدث وكأنها الراكب الثالث في السيارة الذي يراقب بصمت.
بالإضافة أنها لم تخرج أبداً من السيارة، طيلة مدة الفيلم إلا في الجزء الأخير منه، وعندما خرجت رأيناً واقعاً أكثر إيلاماً وصدمة حياتية لشخصية بطل الفيلم، بعيداً عن مملكته وواقعه المؤلم الذي كان يصطنعه داخل السيارة.
قصة الفيلم كانت داخل سيارة أجرة، صاحبها يسير بها في شوارع المدينة يحاول اقتناص زبائنه، فيصعد معه أشخاص من عدة طبقات اجتماعية وثقافية مختلفة وكل منهم يعاني من مشاكله الخاصة، فيصطدمون بالمشاكل والقصص الأليمة التي يحكيها السائق لهم، ويتعاملون معها كلاً حسب مفهومه وثقافته.
ﻻبد من التأكيد أيضاً على أن المشهد السينمائي في سورية ككل محزن جداً، فهو بحاجة إلى الكثير من العمل والإنجاز على عدة أصعدة، بداية من المرحلة الأولى، وهي التثقيف والتعليم الجيد لمن يرغب في تعلم صناعة السينما، حتى المرحلة الأخيرة منه وهي مرحلة العرض والتوزيع الجيدين.
إن ما نراه هذه الأيام من أفلام جيدة، هو جهد فردي يحتسب لصاحبه فقط. لكن تبقى المنح الإنتاجية من المحاولات القليلة جداً لإحياء المشهد السينمائي السوري، وذلك بجذب الهواة واكتشاف مواهب جديدة، يمكن أن تقدم ما لا يمكن توقعه ومن هذه النقطة يمكن دعم من يملك موهبة حقيقة مستقبلاً، لذلك من المهم التفكير في تطوير هذه المنح وآليات التعامل معها، كي لا تتوقف مستقبلاً.