الثورة – رنا بدري سلوم:
الخيزران، ينمو على مهلٍ، ثم يشكل منه النايات التي تعزف أوجاع الزمن الذي غادره، من هنا اكتسب منتدى “الخيزران” اسمه الذي يحتفي بسنواته الثلاث في ادلب، وهو اليوم يفتتح القائمون عليه في قلب دمشق “مهرجان بوابة الشمس” برعاية وزارة الثقافة في خان أسعد باشا اليوم والذي يكمل غداً يومه الثاني.
بدأ المهرجان بالفن التشكيلي بعرض ستين لوحة تشكيلية، لثمانية عشر فناناً تشكيلياً قدموا من إدلب الخضراء، وفقاً لما صرحه مؤسس المنتدى والمشارك في المهرجان القاص عمار الأمير.
لوحات تصرخ الحرية
بدأ المعرض برسومات البورتوكوليه لوجوه شهداء الثورة خالد تاجا وباسل شحادة وغيرهم من الشهداء الذين ارتقوا ولم يشهدوا ولادة الحرية، وجوه رسمها الفنان رامي عبد الحق بطريقة فنية رائقة بلون رصاص قاتم كئيب.
فيما تأخذنا الفنانة سلام حامض طالبة علم اجتماع إلى الألوان الهادئة والرسم المتزن في لوحات وثقت فيها الزمن، وكارثة الزلزال برسمها الساعة والدقائق وحالة الهلع المسيطرة في اللوحة، إضافة إلى لوحات تغنت بالخط العربي والخيل الأصيل والسيف الأموي، لوحات تنبض بالحياة والهدوء في آن معاً، فكتبت بحبها لدمشق حين “يتكئ الياسمين على كتف التاريخ”.
أما شقيقتها الفنانة بشرى حامض طالبة معلوماتية فرسمت تبعثرات الأنوثة الحالمة والرزينة بخلفية سوداء اللون أسمت إحداها “فوضى عارمة”.
وكان للحاضر الغائب عبد القادر عبد اللي الفنان، والكاتب والمترجم السوري والباحث في الشأن التركي، والذي يُعتبر شيخ مترجمي الأدب التركي إلى لغة الضاد، فقد أغنى المكتبات العربية بنحو خمسة وخمسين كتاباً لأعمدة الأدباء الأتراك.
وعن لوحاته المعروضة فهي لوحات سيريالية أو فوق الواقعيّة، هي حركة ثقافية في الفن الحديث تعبّر عن العقل الباطن بصورة يعوزها النظام والمنطق، وحسب مُنظّرها أندريه بْرِيْتُون فهي آليّة أو تلقائية نفسية خالصة، فنشاهد في لوحاته الوجع في العيون التي رمدها الموت أثناء النظام المخلوع، واقتلعت في السجون والتي رتقت في المنافي، عيون تحكي عن صمت القلق الساكن فينا، رحل الفنان عبد اللي وبقيت لوحاته شاهدة على نور الحرية لسوريا الجديدة.
ثم يلفت نظرك الرسم بالسيليكون وهذه المرة الأولى التي يتناول هذه المادة في اللوحات التشكيلية، أنيس حمدون فنان تشكيلي يرسم بهذه التقنية في لوحاته المليئة بالرصانة والثبات.
ولم تغب الأم الثكلى، ولا القضية الفلسطينية عن اللوحات التشكيلية، بل كانتا لها قلباً نابضاً وسط دمشق في لوحات التشكيلين السوريين، ومنهم الفنانة ختام الجاني، ليس بلون الدم والدمار، بل بفسحة سماوية تضع على سفحها شقائق النعمان في لوحاتها المشرقة بالشمس والأمل معلقة مفاتيح العودة على جدران الانتظار لنصر قادم لا محالة.
واختتم المعرض بلوحة للفنان عزيز الأسمر الذي نادى بالحرية من خلال رسمه لحمزة العمارين بعد مضي شهر على اختطافه.
على هامش المعرض وبعد مرافقته للاطلاع على اللوحات وشرح الفنانين لوحاتهم ودلالتها، بين مدير المراكز الثقافية أنس الدغيمي ضرورة تذيل كل لوحة تشكيلية باسمها واسم الفنان وتاريخ رسمها، وذلك لتوثق المعنى وترك الدلالة الرمزية للمشاهد في تقييم اللوحة وفهم معانيها، وقد بين الدغيمي لصحيفة الثورة أن الفن التشكيلي جعل جدران الثورة تتكلم، منذ يومها الأول، فكان لكل فنان لوناً حراً أمام القمع والقيد، وكل من الفنانين عبّر بأسلوبه عما يشعر به من خلال بصمته الخاصة ورؤاه وتصوره، كالحالة الشعرية المرافقة لكل شاعر التي تميزه عن الآخر.
وفي تصريحه لصحيفة الثورة بين الفنان التشكيلي عمار سفلو أن الفن وجه التاريخ، وملامحه التعبة، وأن الفنان عليه أن يوثق هواجسه بحلوها ومرها وعن لوحاته العشر المشارك بها في “الفن التعبيري والتكعيبي” فهي آنية توثق التاريخ بدءاً من لحظات الاعتقال، والصمت والظلم والخوف والانعتاق، والعزف على الوجع، وسير الطغاة على أجساد المتعبين.
قصص تبصر النور
تأبطوا قصصهم حملوها من إدلب المحررة، إنها قصص لا تحكي أوجاعهم وحسب، بل نالت الجوائز وتصدرت المسابقات الدولية في عالم القصة وهو ما يثبت أن السوريين يرممون أوجاعهم ويرتقون جراحهم بالثقافة واللون والكلمة والأدب.
قصص بدت مآسيها على وجوههم التعبة أثناء قراءتها في المهرجان، أربعة قاصين، كانت فاتحة الأصبوحة مع مروة جمعة التي قدمت بطريقة بارعة الأصبوحة واصفة القصة وكاتبها قبل الإلقاء.
فكانت البداية مع القاص والمخرج المسرحي مصطفى شحود، الذي شارك بقصة “احتراق” متناولاً عما يعيشه السوريون اليوم، تميزت القصة بعمقها الإنساني ولغتها المكثفة واضحة الهواجس الفردية بروح تأملية، وبأسلوب سردي مشحون بالصدق والشفافية.
وشارك مؤسس المنتدى الكاتب القصصي عمار الأمير، بست قصص قصيرة منها “شتيمة موصوفة”، “عقود ثلاث”، متناولاً في قصصه فرار الطاغية، والحكم الديكتاتوري حتى بقضايا الفن، واصفاً السجون والموت البطيء، العطش الجوع البرد، وحتى الهواء المحرم، واصفاً جدران تحنو أكثر من ابنة جلدتنا، بإسلوب قصصي مباشر طغى عليه الحس التهكمي واللغة الصارخة حد الخذلان من انسانية نحلم بها ويقول لنا في النهاية: ” إن الطاغية يتغذى على صمتكم”.
القاص فاتح زيدان، قرأ قصص للطرقات ذاكرة “حب من كرتون”.
وتحدثت القاصة الزميلة جواهر ياسين، ابنة حماة، والتي تتنفس هواء إدلب منبت الثورة والحرية، عن قصتها “عندما كنا هناك”، يتميز أسلوبها بالواقعية والتركيز على التفاصيل الصغيرة التي تعكس الحياة اليومية في المجتمع السوري، واشتهرت بمجموعاتها القصصية التي تتناول قضايا المرأة والواقع الاجتماعي في سورية.
اختتم القاص والمسرحي محمد علي اعفارة الأصبوحة القصصية بقصة قصيرة بأسلوب سردي وممتع.
بهكذا يكون الفن قد تحدث بلغة الحرية والانعتاق، هكذا تكون إدلب قد علقت قلادة الحرية على عنق الشآم لتكون الشمس شاهدة.
يذكر أن المعرض التشكيلي مستمر طيلة أيام المهرجان، واليوم مساء ستقام أمسية شعرية وغداً مساء حفل فني.