الثورة – متابعة عبير علي :
أُقيمت في المركز الثقافي في طرطوس اليوم محاضرة بعنوان: “ورشة تراثية حول صناعة الفخار”، ألقتها المدربة نظمية إسماعيل والتي بدأت بالتعريف عن الفخار، مبينة أن صناعة الفخار تعد من أقدم الحرف التي عرفها الإنسان، إذ استخدم الطين المستخلص من الأنهار والجبال لتصنيع أدواته وأوانيه، مرت هذه المهنة بمراحل زمنية مختلفة، وأصبح الفخار قطعا فنية تُشكل بواسطة النار، مما يجعلها جزءا من الحرف التقليدية القديمة”.
تعددت الطرق والنتيجة واحدة
ولفتت اسماعيل إلى أن صناعة الفخار مرّت بثلاث حقب زمنية، ما قبل التاريخ ثم الإسلامية وصولاً إلى العصر الحديث، مشيرة إلى تعدد طرق صناعته منها الطريقة اليدوية حيث يقوم الحرفي بتشكيل الأواني يدوياً، واستخدام الدولاب عبر وضع الحرفي للطين على الجهاز الدوار ليشكل الفخار ببراعة.
وبينت أن الحرفي يستعمل القوالب لصب الطين، الذي يأخذ شكل القالب قبل أن يتم تجفيفه وحرقه في الأفران، وتبدأ عملية الصناعة بجلب التراب الخاص وتنقيته من الشوائب، ثم يقوم الحرفي بطحن الطين باستخدام قدميه أو بدقه بعصا مخصصة. بعد ذلك، يُضاف ما يعرف بـ “دب الملح” أو الحجر الناري، وتُعجن المكونات معا بشكل جيد، وتطرقت إلى أن عملية تجفيف القطع الفخارية تعتبر من الخطوات الحيوية التي يجب مراعاتها، إذ إنه قد يتعرض للتلف والتشقق إذا لم يتم تجفيفه بشكل تدريجي، وذكرت أنه في الماضي، كان الحرفيون يقومون بحرق الفخار على الأرض عن طريق إشعال النار حوله.
من الماء إلى الطين
مراحل صناعة الفخار تمرّ بثلاث خطوات، أولها إضافة الماء إلى الطين، ويتم ذلك في خزان الخلط أو بركة، ويستمر الخلط حتى يصبح الطين قابلًا للتشكيل، يليها عملية توزيع الطين بعد تصفيته، حيث يُوزع على ثلاث برك مستطيلة، وتُستخدم مصفاة على فتحة البركة، ويتم دفع الطين إلى البرك الثلاث ويترك حتى يتماسك، ومن ثم تشكيل القطع، يأخذ الحرفي الكمية المناسبة لتشكيل قطعة الفخار، ثم تُترك تحت أشعة الشمس حتى تجف، بعد ذلك، تُهذب وتُحرق لتصبح جاهزة للاستخدام، وتشمل منتجات الفخار الأوعية والأكواب، أدوات المائدة، أدوات حفظ وتبريد الماء، الطهي، المزهريات والأواني الفنية التي تستعمل للزينة.
فوائد متعددة
تشرح إسماعيل عبر حديثها الفوائد العديدة للفخار، إذ يُقال: إن الماء في آنية الفخار أكثر حيوية، مما يجعله مناسباً للاستخدام البشري، أما الطهي في الأواني الفخارية فهو شائع، ليس فقط في التقاليد القديمة، بل أيضًا في المطاعم الكبرى، وشهرة الفخار سبقته على الموائد، لتقليل وقت الطهي إذ تنضج الخضراوات في الأواني الفخارية بسرعة أكبر، وتحافظ على لونها وقوامها، مما يزيد من احتفاظ الغذاء بقيمته دون الإفرازات الضارة، إذ تساهم في تقليل الزيوت الدهنية المستخدمة.
بين الأصالة والمعاصرة
تتميز صناعة الفخار بكونها واحدة من أسهل الصناعات البدائية، فهي تعكس تطورات العصور البشرية المختلفة، بدءاً من العصر الحجري وحتى الحضارات الإسلامية والرومانية، مما يجعلها تجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومع حدوث التطور الصناعي في العصور الحديثة بالدول الأوروبية، تمت إضافة ميزات عديدة سهلت عملية صناعة الفخار، وكان من أبرزها الأفران الكهربائية الكبيرة، مما جعل من الممكن إنتاج آلاف القطع من الفخار في يوم واحد. وتظهر هذه القطع بصور رائعة تعكس إبداع كل صانع ولمساته الفنية الفريدة، لكن مع تقدم السنين، بدأت صناعة الفخار تندثر نتيجة لتطور المواد المستخدمة في الأواني والأطباق، وقلة الحاجة للطين.
ومع ذلك، لا يزال الفخار موجودا بنسب قليلة في بعض البلدان العربية، مثل مصر وبلاد الشام، وللحفاظ على هذه المهنة العريقة، أطلقت وزارة الثقافة برنامج “ثقافتي هويتي”، وعنه قالت نظمية إسماعيل: “بدأنا بتدريب كوادر شابة وتنفيذ أنشطة في المدارس لتعزيز هذه الحرفة، فمن ليس له ماض ليس له حاضر”.