الثورة أون لاين- حسين صقر:
لأن الطب مهنة إنسانية، هدفها إزالة الآلام والمساهمة في تخفيف الأوجاع، ولأن الطبيب واسطة خير بين المرض والمريض، كثير من الأطباء جعلوها رسالة أخلاقية لامادية، واستخدموا ضمائرهم ومشاعرهم وابتساماتهم ووجوههم النيرة في التشخيص والعلاج، قبل أن يستخدموا السماعة ومقياس الضغط والحرارة والإيكو وما هنالك من أجهزة وأدوات أخرى.
الدكتور إحسان عز الدين طبيب محترف ويلقب بأبي الفقراء، يمارس مهنة الطب منذ ما يزيد على خمسين عاماً، ولا يزال يمضي معظم يومه في عيادته الواقعة في مدينة جرمانا بريف دمشق لتقديم الخدمات الطبية لآلاف الأشخاص من الوافدين واللاجئين والمحتاجين من فقراء وغيرهم على حد سواء ولم يكرس هذا الطبيب حياته لمعالجة المرضى فحسب، بل لمنحهم الأمل بالشفاء واسترداد العافية والتطلع إلى المستقبل.
وقبل أن يدفع بحقنة الدواء إلى المريض، يشبعه بجرعة أمل وتفاؤل بأن ما يعانيه مجرد أوهام ورهاب من المرض، بينما هو لا يعاني من أي مرض، وهذا الكلام وحده كفيل بأن يستعيد المريض ثقته بنفسه، ويبدأ تقبل العلاج كخطوة أولى متماثلاً نحو الشفاء..
وأكد الدكتور عز الدين في حديث مقتضب ل “الثورة”، أن مساعدة الناس وتقديم العون الطبي لهم، هو واجب أخلاقي واجتماعي في كافة الظروف والحالات، فكيف إذا كانت تلك المساعدة تتم في ظروف استثنائية كالحرب التي يمر فيها وطننا الغالي، موضحاً أن العمل الإنساني هو موروث وتقليد ذاق حلو طعمه عن والده وأجداده، والذين كانت لهم مساهماتهم الاجتماعية المعروفة، و كان لهم الفضل في زراعة عمل الخير والتسامح ومحبة المجتمع الذي يعيش فيه، منوهاً بأنه أثناء دراسته الثانوية رأى أوضاع الناس المعيشية الصعبة، ولمس حاجتهم عن قرب وتعرف إلى معاناتهم الحقيقية في الحصول على العلاج، وتساءل في نفسه ماذا يستطيع أن يقدم لهؤلاء من خدمات، حتى يحصلوا على جزء من حقهم، وبدأت دائرة اهتمامه بهؤلاء تتسع حتى دخل كلية الطب وتخرج منها وبدأ العمل في عيادته، ووفر تلك الخدمات، وبهذا بات معروفاً عن الدكتور عز الدين أنه كرَّس حياته المهنية لخدمة الفقراء والمحتاجين، وكان أباً لهم بكل ما للكلمة من معنى، فقد قدَّم الرعاية الصحية ضمن إمكاناته المتاحة مستمداً ذلك من إرادته القوية وموروثه الاجتماعي وشغفه بعمل الخير.
الدكتور عز الدين قال في رد على سؤال: أنا لم أخطط لما وصلت إليه، ولم يخطر ببالي يوماً أن أحصل على هذه المحبة الكبيرة والشعبية الطيبة، وكان كل هدفي أن يكون ضميري مرتاحاً تجاه الأشخاص الذين شعرت بمعاناتهم، لكن كان رصيد محبتي لديهم أكبر من التصور، وأشكرهم جميعاً على تلك المحبة وهذه الثقة.
الدكتور عز الدين الذي استطاع الحفاظ على أجرة معاينة رمزية في ظل الظروف المعيشية الصعبة، في الوقت الذي يؤسس فيه البعض من زملائه المراكز الطبية والمستشفيات وكل ما يتعلق بها بهدف الربح المادي قال: أجر المعاينة الرمزي أعتقد أنه لا يشكل عبئاً على أي شخص، وبالنسبة لي فإن عدد المرضى الذين يزورون عيادتي وأعاينهم يومياً، يشكل مورداً معقولاً يتيح لي ولأسرتي كسب قوتنا، علماً أن تلك المعاينة أتقاضاها من جميع الشرائح على حدٍ سواء كي لا يشعر الفقير بالشفقة، لأنه يرتاد العيادة الغني كما المكتفي، وقال وضعت هذه المعادلة كي لا أحتاج وأحفظ كرامتي وراحة ضميري، وأنا والحمدلله لدي منزلي وسيارتي وأولادي مهندسون، موضحاً أن معظم الناس ولا سيما الوافدين بحاجة إلى الاهتمام أكثر من غيرهم.
ولهذا يعمل الدكتور عز الدين ليلاً ونهاراً حرصاً منه على حصول المحتاجين على العمليات الجراحية المنقذة للحياة وعلى الأدوية، وبعد انتهاء عمله في العيادة، اعتاد الطبيب الإنسان الرائع أن يقوم بزيارات دورية لمرضاه ولا سيما أيام العطلة، وعندما تقتضي الحاجة للمرضى الذين لا يقدورن على الحضور إلى العيادة لإكمال العلاج، لكن وبعد تعرضه لأزمة قلبية اضطر مكرهاً على التقليل من تلك الزيارات، في وقت كان يستقبل فيه بعض المرضى الذين حالاتهم مستعجلة والذين يكتفون بالاستشارة على شباك العيادة القديم.
والأعمال الخيرية لدى الدكتور عز الدين لم تقتصر على العيادة الخاصة به، حيث كان من مؤسسي الجمعية الخيرية في جرمانا إلى جانب مجموعة من المعلمين والمعلمات ومن بينهم زوجته، وذلك انطلاقاً من رؤيته بأن هناك مجموعة كبيرة من الناس والعائلات بحاجة للمساعدة والرعاية، وأن الجهد الفردي لا يغطي تلك المسؤولية، ولهذا قرروا مجتمعين أن يكون عملهم الإنساني منظماً، حيث لاقى ترحيباً من أهالي بلدته ونال الجميع ثقة أبناء المدينة وهم منذ خمس وعشرين عاماً يقدمون تلك الخدمات والمساعدات، ويلاقون تعاوناً كبيراً من الميسورين الذين يدعمون الجمعية، حيث أكد الدكتور عز الدين أنه حقق الأهداف المرجوة وُأعطي من أهالي البلدة فوق ما يتصور بكثير، لان عمل الإنسان بالنتيجة هو رصيده في هذه ا
لحياة.
وحول نظرة زملائه له، ونظرته لهم قال عز الدين: الأطباء جميعهم شريحة من هذا المجتمع، ولكل منهم ظروفه وإمكاناته، والعمل الطبي لا يقدر بثمن، ولا يوجد طبيب سيئ وآخر جيد، ولكن لكل منهما طموحاته، لكن بالنتيجة أي طبيب لديه الكثير من عمل الخير وفي قلبه حب لمساعدة الآخرين، لكن لا يمكن لأحد أن يفرض تصوره وبرنامجه ومبادراته على الآخر، ونحن متفائلون بأن الجميع يؤدون عملهم بمهنية عالية وإخلاص.
وحول التوفيق بين واجياته الاجتماعية والأسرية والمهنية قال عز الدين: إن الواجبات الاجتماعية جزء من العيادة، وأنا أشارك جميع الناس في مناسبتهم ما استطعت، ويعود الفضل في ذلك لأسرتي التي تتعاون معي في أداء تلك الواجبات، وبالتأكيد سوف أجد الوقت أيضاً الذي أخصصه لمنزلي وأسرتي وأنا لا أشعر بالملل من العمل ووقتي دائماً مملوء بالمواعيد واللقاءات.
وبشأن مرض كورونا الذي أصيب فيه الدكتور عز الدين مؤخراً وشفي منه قال: على المجتمع ألا يستهين بهذا الوباء، لأنه يشكل خطراً على أفراده، ومن تجربتي الشخصية وكطبيب أنصح بألا يتم التهاون مع المرض نهائياً، وعلى الجميع تطبيق الاجراءات الاحترازية الكاملة كارتداء كالكمامة و متابعة النظافة الشخصية، و تحقيق التباعد المكاني وتغيير بعض العادات كالسلام في المناسبات وعدم استخدام نفس الأدوات، وتجنب الازدحام والتعامل مع الأشخاص كأن الجميع مصابون.
وفي نهاية الحديث تمنينا للدكتور عز الدين دوام الصحة والعافية وأن يقدره على فعل المزيد من الأعمال الخيرية، كما يقدر الجميع على فعل ذلك.