الثورة أون لاين – سامر البوظة:
في السادس من تشرين الأول من كل عام تحتفل جماهير شعبنا الأبي في سورية بذكرى حرب تشرين التحريرية, تلك الحرب التي شكلت منعطفا هاما في حياة أمتنا العربية, وكانت نقطة التحول الأبرز في تاريخ الصراع العربي الصهيوني, واليوم تصادف الذكرى الـ 47 لتلك الحرب المجيدة في وقت يواصل فيه أبطال جيشنا انتصاراتهم على التنظيمات الإرهابية ورعاتها ومموليها وهم أكثر تصميما اليوم على القضاء عليها ودحر كل محتل عن كامل التراب السوري المقدس.
إن حرب تشرين التحريرية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد كرست بطولات رجال الجيش العربي السوري الذي قدم للعالم دروسا في التضحية والفداء والذود عن الوطن ولايزال, وسجلت نصرا في تاريخ الأمة على صفحة من نور أضاءت الدرب للشعب العربي وأعادت له وجهه الأصيل وقدمته للعالم على أنه صاحب حق وقضية عادلة، كما أسهمت بإعادة الثقة إلى نفس الجندي العربي وأثبتت قدرته على تحقيق الانتصار خصوصا بعد الإحباط والإحساس العميق بالمرارة الذي تغلغل في أعماق الجماهير العربية مع نكبة عام 1948 ونكسة حزيران 1967 .
لقد شكلت هذه الحرب الخالدة مفصلا مهما في تاريخ العرب الحديث بنتائجها ومضامينها والتي تجلت أبعادها واضحة على جوهر الصراع العربي الصهيوني وبدلت من معادلة القوى والتوازنات في المنطقة وغيرت من خارطتها السياسية والعسكرية ورسخت مبدأ ربط السلام والاستقرار في المنطقة بإنهاء احتلال الكيان الإسرائيلي للأراضي العربية وإعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها الشرعيين وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها بالقوة.
ولعل البعد الاستراتيجي الأبرز لهذه الحرب كان في إسقاط المشروع الصهيوني وتحطيم حاجز العجز النفسي بالانتصار الذي تحقق بعد انتكاسات متتالية, وتبرز في مقدمة مآثر حرب تشرين التحريرية أنها أسهمت في تعزيز وتكريس ثقافة المقاومة ضد الاحتلال وضد مغتصبي الحقوق, ونسفت معادلات حاول العدو الإسرائيلي فرضها على المنطقة, كما غيرت المفاهيم والنظريات التي روجت لها آلة الدعاية الصهيونية في المنطقة لاسيما أوهام التفوق العسكري وأسطورة الجيش الذي يدعي أنه “لا يقهر”, وقد تجلى ذلك في الهزائم المتتالية التي مني به الكيان الغاصب من هزيمته في جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة في أيار عام 2000 , إلى هزيمته في عدوان تموز 2006, ثم جاءت الهزيمة بعد ذلك في غزة أمام صلابة وصمود المقاومة والشعب.
ومن أبرز ما أظهرته حرب تشرين أيضا هو وحدة المصير بين الدول العربية وعمق الشعور بالانتماء والتضامن العربي وأهميته في مثل هذه الظروف, حيث كان لمشاركة بعض الجيوش العربية في الحرب الأثر البالغ في تحويل المعركة إلى معركة قومية بامتياز ضد عدو مشترك يستهدف وحدة الأمة ووجودها, وما تتعرض له منطقتنا وما يحاك لها من مخططات تقسيم يستوجب موقفا عربيا موحدا للوقوف في وجه المؤامرات والتحديات, وأن التضامن العربي الذي طالما دعت إليه سورية وآمنت بجدواه وعملت على تحقيقه هو الضمان الأمثل لحرية العرب وقوتهم وسيادة أوطانهم وهو السبيل الوحيد لإعادة العرب إلى الخارطة الإقليمية والدولية.
واليوم ربما نحن أحوج من أي وقت مضى إلى استنهاض روح النصر الذي تحقق في تشرين واستلهام الدروس والعبر, خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها منطقتنا وفي الوقت الذي تواجه فيه إحدى أهم وأخطر التحديات السياسية والاقتصادية التي تستهدف وجودها ومستقبلها ومحاولات الهيمنة ونشر الفوضى المدمرة فيها تحت مسميات عدة, ناهيك عن لهاث بعض الأنظمة المستعربة الذليلة وهرولتها نحو التطبيع مع كيان غاصب لا يزال يحتل أراضي عربية وينكل بأهلها.
لقد كانت حرب تشرين التحريرية حلقة في سلسلة متواصلة من نضال شعبنا للحفاظ على حريته واستقلاله واستعادة أراضيه المغتصبة, وتكرست من خلال الانتصارات المتلاحقة التي حققها بواسل الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب وداعميه, والتي تشكل خطى ثابتة على طريق استعادة الجولان السوري المحتل, ومع كل نصر كان يتجدد انتصار تشرين التحرير ويتوهج ألقه في وجدان كل السوريين.
وبعد مرور 47 عاما على قيام هذه الحرب المظفرة, لا تزال صور تلك الانتصارات ماثلة أمام الأعين, وسورية كانت وستبقى الجزء الأساسي والمفصلي في تحديد ورسم مستقبل المنطقة, وستبقى الرقم الصعب على الرغم من كل المحاولات الأميركية والغربية الرامية إلى عزلها و إخضاعها وإضعافها وتغييب دورها الفاعل في الدفاع عن قضايا الأمة مهما كانت الظروف والتحديات, وبواسل جيشنا, وعلى خطى النصر في تشرين, ماضون في استكمال تطهير كامل الأرض السورية من الإرهابيين ودحر كل غازٍ محتل عنها, ونحن على موعد مع نصر جديد وتشرين جديد.