هي ليست بفاجعة ولا حتى بكارثة ولا بلاء ولا مأساة ولا صدمة أيضاً .. هي كل ذلك وأكثر، فما جرى ويجري في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص من حرائق التهمت آلاف الدونمات، وابتلعت مئات الهكتارات، وقضت على ما يقارب المليون شجرة حراجية ومثمرة، أدمى القلب والعين معاً، وأعاد إلى الذاكرة المشاهد المؤلمة لحرائق حقول القمح في الحسكة، ولغابات مصياف والغاب والسويداء، التي مازالت حاضرة وبقسوة في أذهاننا.
تزامن الحرائق في ثلاث محافظات دفعة واحدة وتخطيها عتبة الـ 79 حريقاً “متباعداً”، تمنعنا من إلصاق تهمة المسبب ـ الفاعل ـ المخرب بالطبيعة والظروف المناخية والأحوال الجوية وحتى بالماس الكهربائي، وتدفعنا وبدون تردد للإشارة بالبنان إلى أعداء سورية الذين يتربصون بها شراً وجوعاً وعطشاً، وكذلك إلى عناصر وأفراد “مافيا التفحيم” باعتبارهم من المستفيدين الأوائل من النتائج النهائية للحرائق التي يفتعلونها بين الفينة والأخرى، وقطف فحمها لا ثمارها التي أتت عليها نار المصالح الضيقة لهذه الثلة الصغيرة، التي سبق وأن تم الإعلان مسبقاً القبض على بعض أفرادها ممن افتعلوا عدداً من الحرائق، دون أن نتمكن من معرفة العقاب الذي نالوه جزاء ما اقترفته أياديهم القذرة.
ما جرى لن يمر دون عقاب بكل تأكيد، كما أنه لن يمر مرور الكرام دون محاسبة المسؤولين المقصرين في اتخاذ كل ما من شأنه من إجراءات وقرارات وخطوات ليس للحيلولة دون وقوع حرائق جديدة، وإنما السرعة في تطويقه ومنع انتقاله من حقل لآخر ومن قرية لأخرى، وتقديم يد العون لأبنائها الذين لا يحتاجون ولا يطالبون بأي نوع أو شكل من أشكال المساعدة، باستثناء إطفاء لهيب النار المستعرة في حقولهم وبساتينهم وبيوتهم.
وزير الزراعة أكد أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ سورية التي يتم فيها تسجيل 79 حريقاً في يوم واحد، ونحن نمني أنفسنا أن تكون المرة الأولى والأخيرة، أما أهالي المناطق المنكوبة فيأملون من أصحاب القرار التحرك العلني والجدي لوضع حد نهائي لجرح الحرائق الذي كان ومازال يستنزف الكثير من مقدراتنا الوطنية .. الاقتصادية منها والبيئية، من خلال تحديد المسببات وتحميل المسؤوليات ورسم الاستراتيجيات التي تقدم ولا تؤخر.. في المحافظة على ما تبقى من ثروتنا الطبيعية، وتعويض ما يمكن تعويضه خلال السنوات لا الأشهر القادمة.
الكنز – عامر ياغي