أوجه الاختلاف في نظرية العقد الاجتماعي

 الملحق الثقافي:حاتم حميد محسن:

رغم التشابه الظاهر في مفهوم نظرية العقد الاجتماعي للفلاسفة الثلاثة جان جاك روسو، توماس هوبز، جون لوك، إلا أن هنالك العديد من أوجه الاختلاف بين هؤلاء المفكرين بشأن دولة الطبيعة والعوامل التي دفعت الناس ليدخلوا في العقد الاجتماعي، وتصميم آلية فرض العقد. سوف نناقش باختصار تلك الاختلافات.
طبقاً لهؤلاء المفكرين، فإن مفهوم العقد الاجتماعي، يعني أن الناس في الماضي كانوا يعيشون في دولة الطبيعة التي تفتقر إلى الحكومة والقوانين التي تنظّم حياتهم. وبهذا، هم في تلك الظروف، واجهوا صعوبات ومآسي كثيرة وعدم انتظام، ولكي يتغلبوا على تلك المشاكل، كان عليهم أن يدخلوا في اتفاق. ولكن بالنسبة إلى روسو ولوك، لم تكن حالة الطبيعة مؤذية، ولا هي غير سارة، مثلما يرى هوبز. روسو يرى أن الناس في دولة الطبيعة يحصلون على العديد من المزايا والمنافع من الطبيعة، فهو يرى أن ما يخسره الناس من العقد الاجتماعي هو حريتهم الطبيعية والحقوق غير المقيدة في أي شيء يريدونه. لكن ما يحصلون عليه من العقد هو الحرية المدنية civil liberty والملكية في كل شيء يحوزونه.
بالنسبة إلى روسو، لكي يصبح الإنسان حراً، فإن كل فرد يجب أن يتخلى عن جميع حقوقه لكامل الجماعة، موجداً نفس الظروف للجميع ومن ثم المساواة. حين يتخلّى الفرد عن حقوقه للجميع، فهو لا يعطي حقه لأي شخص آخر. الجميع عرضة لما يسميه روسو بـ «الرغبة العامة». الدولة يجب أن تضمن الحريات للناس في كل الظروف. لذلك، يضع روسو الفرد أولاً ثم الدولة. أما هوبز فيرى أن دولة الطبيعة هي غير سارة؛ حيث ظروف الحياة مليئة بالخوف والأنانية، لأن الناس يعيشون في ظروف من الفوضى بدون سلطة مشتركة تخيف الجميع، هم في تلك الظروف، لكي ينجزوا العقد، يجب أن يتنازلوا عن جميع حقوقهم وحرياتهم إلى سلطة واجبة الطاعة. وهكذا، فإن السلطة تصبح هي الحاكم المطلق، والناس ليس لهم الحق ضد السلطة. غير أن هوبز يرى أن الناس يحافظون على السلام والحياة والازدهار. لذلك، قد يجادل المرء أن هوبز كان مناصراً للحكم المطلق. وهنا تبرز مشكلة، وهي مشكلة الحقوق. هوبز وضع الالتزامات الأخلاقية على السلطة التي يجب أن تكون ملزمة بواسطة القانون الطبيعي.
أما لوك، فهو بالضد من هوبز، لا يرى حالة الطبيعة مزرية، مجادلاً أنها كانت حالة الحرية التامة؛ حيث يستطيع كل شخص التصرف بحياته بالطريقة التي يراها أفضل. في دولة الطبيعة، كل الناس متساوون ومستقلون ومتحررون من تدخلات الآخرين. ورغم عدم وجود سلطة مدنية لحفظ النظام، إلا أن الناس ملزمون بنوع من الأخلاق.
قد يسأل أحد لماذا يجب على المرء التخلي عن هكذا موقف مريح وسلمي نسبياً ويذهب للدخول في عقد؟ يرى لوك أن ذلك يعود إلى غياب القانون، والقضاة الموضوعيين، والسلطة التنفيذية، مما جعل الملكية غير آمنة في دولة الطبيعة. وهكذا، قرر الناس الدخول في اتفاق يخوّل حقوقهم للسلطات، ولكن فقط الحق بحماية الملكية وفرض القانون. وبالتالي، يحتفظ الناس بحق الحياة والحرية والملكية. وهكذا، فإن الحكومة والقانون خُلقا لحماية الحقوق الطبيعية للناس، وهما صالحان طالما يقومان بوظيفتهما. مما تقدّم نستنتج أن دولة الطبيعة كانت دولة حرب بالنسبة إلى هوبز، ولكنها دولة سلام ومساواة واستقلال بالنسبة إلى لوك وروسو. حماية الحياة والملكية وازدهار الأفراد اعتبرت عوامل رئيسية من جانب الفلاسفة الثلاثة، وهي عوامل أجبرت الناس للدخول في العقد. بينما يقول هوبز مهما تفعل الدولة فهو صحيح وعادل لمواطنيها، ويؤيد السلطة المطلقة بدون منح أي قيمة للأفراد. يرى لوك أن مهمة الدولة الرئيسية هي ضمان العدالة، بينما روسو يزعم أن الدولة في جميع الظروف يجب أن تضمن الحرية والعدالة لمواطنيها. لذا، فإن روسو ولوك يضعان المزيد من الدعم والقيمة للناس، وليس للحكومة، بينما هوبز يقوم بالعكس.
مقارنة بين الفلاسفة الثلاثة
1- يزعم هوبز أنه من دون الخضوع لسلطة عامة، فإن الناس بالضرورة سيكونون في حالة حرب. لوك وروسو يؤكدان أن الدولة توجد فقط للحفاظ على الحقوق الطبيعية للمواطنين وحماية تلك الحقوق. عندما تفشل الحكومات في تلك المهمة، للمواطنين الحق وأحياناً الواجب لسحب دعمهم للحكومة وحتى التمرد ضدها.
2- رؤية هوبز هي أن الدولة مهما تعمل فهي عادلة، لأن المجتمع هو نتاج مباشر للدولة، وانعكاس لرغبة الحاكم. أما لوك يرى أن الدور الوحيد المهم للدولة هو ضمان تطبيق العدالة. بينما رؤية روسو هي أن الدولة يجب أن تضمن في جميع الظروف الحريات العامة والتحرر السياسي للأفراد.
3- نظرية هوبز في العقد الاجتماعي تؤيد السيادة المطلقة من دون إعطاء قيمة للأفراد، بينما لوك وروسو يدعمان الفرد بدلاً من الدولة أو الحكومة.
4- بالنسبة إلى هوبز، فالسيادة والحكومة متشابهتان، لكن روسو يميز بين الاثنين، هو يستبعد الشكل التمثيلي للحكومة. أما لوك فهو لم يدعم مثل هذا التمييز.
5- رؤية روسو للسيادة كانت صيغة توفيقية بين دستورية لوك والحكم المطلق لهوبز.
ملاحظات نقدية
1- اقترح روسو أن الدولة، القانون، الحكومة تحمل مضموناً واحداً.
2- مفهوم هوبز للحكم المطلق غامض كلياً.
3- طبقاً لهوبز، السيادة يجب أن تكون لها سلطة مطلقة. هذا يُعد ضد حكم القانون، لأن الحكم المطلق في سلطة معينة يقود إلى التعسف.
4- مفهوم لوك لدولة الطبيعة غامض، لأن أي خلاف بشأن الملكية دائماً يقود إلى الفوضى في أي مجتمع. وبالتالي، لا يمكن أن يكون هناك سلام في مجتمع، لو حصل فيه خلاف بشأن الملكية.

التاريخ: الثلاثاء20-10-2020

رقم العدد :1017

 

آخر الأخبار
في سباق مع الزمن و وسط تحديات الرياح والتضاريس.. جهود لإخماد الحرائق   سوريا تقترب من رقمنة الشحن الطرقي    "موزاييك للإغاثة والتنمية الإنسانية" حاضرة في الاستجابة لمتضرري الحرائق   "الثورة" من قلب الميدان تتابع عمل فرق الدفاع المدني  الحرائق تتواصل في مواقع عديدة     استجابة لحرائق اللاذقية.. منظمة "IASO" تطلق حملة "نَفَس حقكم  بالحياة" السفير البلجيكي ببيروت في غرفة صناعة دمشق لتعزيز العلاقات الاقتصادية  ربط طلاب الكليات الهندسية في حلب بسوق العمل  متابعة المشاريع التي تُعنى بتحسين الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في حلب  وفد المنظمة العالمية للتحكيم الدولي في غرفة صناعة دمشق  الرئيس الشرع يصدر مرسوماً بتعديل بعض مواد قانون الاستثمار الشرع يشيد بجهود فريق تصميم الهوية البصرية الجديدة لسوريا مرسوم رئاسي بإحداث الصندوق السيادي لتنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية مباشرة والاستثمار الأمثل للموارد مرسوم رئاسي بإحداث صندوق التنمية للمساهمة في إعادة الإعمار مكافحة الفساد ليست خيارآ  بل أمراً حتمياً  توقيفات طالت شخصيات بارزة والمحاسبة مستمرة   "مهمشون" ومكافآت "شكلية"   ممرضون لـ"الثورة: الوقت حان للاستماع إلى نبضنا ليخفق قلب المهنة  من إدلب إلى دمشق..  "أبجد".. نحو مجتمع متضامن أساسه التعليم  تعزيز الجاهزية الرقمية في المدارس الحقلية الزراعية بحلب  BBC: طالبو اللجوء السوريون في بريطانيا.. بين القلق وانتظار قرارات لندن  وفرة في الغاز وندرة في المال..  مدير عمليات التوزيع: رخصة الغاز ليست مشروعاً تجارياً  قمة أممية للذكاء الاصطناعي.. توجيهه لخدمة أهداف التنمية المستدامة