بعد قرابة عشر سنوات نقف عند مفترقات شديدة الدقة، تحتاج الكثير من التقييم والتقويم والمراجعة لمعرفة واقع الربح أو الخسارة في كل محطة وفي كل لحظة من سنوات العدوان على سورية.
ولعل النتيجة النهائية أوضح حقيقة نلمسها، لكن التفاصيل والوقائع تحتاج حالة توقف مطولة للخوض في دراستها وتحليل ومراجعة جميع الظروف التي رافقتها أو أثرت بها والخلاصات النهائية ومدى الالتزام بالدروس المستفادة في كل مرحلة أو محطة مررنا بها أو عشناها ونحن نتصدى لموجات العدوان المتواصلة والمتعاقبة بمختلف أشكالها وأساليبها.
في الغالب لم يكن أي سوري يتوقع ما حصل في بلده ولم يكن يعتقد أن ثمة عدواناً إرهابياً يتربص به ويخطط لضرب تلك البنية الاجتماعية المتمثلة في نموذج حضاري للعمل والتعاون والعيش المتكامل في منطقة كانت مهد الحضارات الإنسانية، وما زالت موقعاً ودوراً واعداً لمتابعة ذلك الدور على الرغم من كل الضغوط والحروب والتدخلات ومختلف الممارسات التآمرية التي تقوم بها قوى البغي والعدوان ومحاولاتها طمس وإخفاء تلك القيم التي أعطت سورية تلك المكانة التاريخية المتأصلة.
في مراجعتنا نرى عملية التسلسل المتعاقبة في تنفيذ بنود العدوان التآمري بدءاً بخلق حالة متوترة أساسها سيل الأكاذيب والروايات المختلقة للوصول إلى حالة افتراضية تجعل الصورة مشوشة وتسلب التفكير وتعطل العقل عن العمل وتزرع حالة الشك في القدرة على تجاوز الواقع الراهن وتقدم في النهاية حلولاً غريبة، هي في الحقيقة الهدف النهائي البعيد لذلك العدوان.
وهكذا نفهم أن جميع أشكال العدوان الإرهابي من قتل وتدمير وتهديد وحصار اقتصادي وفرض عقوبات وغزو سارق للثروات الاقتصادية من نفط وغاز وغيرها، لم تكن إلا خطوات شكلية قاسية لتحقيق الهدف الأبعد وهو كسر الإرادة السورية وإخضاعها للمطالب الأميركية والأوروبية والصهيونية في فرض مسارات سياسية تخدم المخطط الصهيوني التوسعي في المنطقة العربية كلها، حيث يتمكن كيان العدوان من التحكم والسيطرة الكاملة على مقدرات وثروات ومصير الأمة العربية كلها ويتجاوزها إلى منطقة أوسع تشمل آسيا الوسطى وسقفها وملامسة حدود الصين، وربما تجاوز ذلك إلى الداخل الصيني ذاته.
الإرادة الغربية الاستعمارية الغازية جوبهت بإرادة وعزيمة وثبات أكثر رسوخاً وقوة مما كان يتصور المعتدون، الأمر الذي استوجب اللجوء إلى استخدام أبشع أشكال العدوان وأكثرها توحشاً في التاريخ البشري، فبدأت الإجراءات العقابية الظالمة تأخذ طريقها إلى حياة المواطن السوري ومعاشه اليومي إمعاناً في حامل العزيمة الملتزم بسيادة بلده والمستعد للذود عنه بالنفس والولد والمال، الأمر الذي نراه ماثلاً للعيان في كل لحظة في جميع المحافظات السورية، فمقابل ضغط الواقع المعاشي الصعب نرى صورة الشهادة والاستشهاد البطولي في أبهى معانيها، فهل يبقى مكان لتساؤل بعد هذا؟
إنها المعادلة السورية الصعبة.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد