تحظى الانتخابات الرئاسية الأميركية باهتمام عالمي واسع ويتابعها مئات الملايين من البشر في مختلف أرجاء العالم ويعود ذلك لأسباب عديدة منها مكانة وقوة أميركا وتأثيرها في المشهد الدولي لجهة إنها تمثل أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وإعلامية في العالم، وتمارس عناصر القوة تلك للتأثير في الأحداث سلباً أو إيجاباً ولا تتوانى عن استخدام القوتين الصلبة والناعمة لتحقيق ما تطلق عليه المصالح العليا للولايات المتحدة الأميركية والحفاظ على أمنها القومي ومساعدة حلفائها في العالم ليس هذا فحسب، وإنما التضييق على منافسيها الكبار ومحاصرتهم بتحالفات إقليمية ودولية بحيث تبقى القوة الأولى في العالم لا يستطيع أحد زحزحتها عن مكانتها تلك، ناهيك عن أنه لم تتشكل حتى الآن ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية قوة قادرة على احتلال مكانتها تلك بما في ذلك الاتحاد السوفييتي السابق، وهذا لا يعني عدم قيام ذلك الاحتمال خلال عقدين أو ثلاثة من الزمن بالنظر للقوة الاقتصادية العسكرية الناهضة لكل من للصين واتحاد روسيا.
وإلى جانب الاهتمام بالانتخابات الأميركية بحكم قوة أميركا ونفوذها بالعالم تلعب طريقة إخراج آلية تلك الانتخابات إعلامياً دوراً كبيراً في ذلك، فما إن يبدأ موسم الانتخابات والمنافسة بين مرشحي الحزب الواحد لتحديد من هو المرشح المنافس بالظهور حتى تتلقفها وسائل الأعلام الأميركية واسعة الانتشار لتجعل منها ليس حدثاً داخلياً وإنما حدث عالمي يحظى باهتمام الرأي العام العالمي، وتكون ذروة تلك الدراما ما يسمى المناظرة الرئاسية بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري للرئاسة والتي تسبق المنازلة النهائية بفترة قصيرة ليتبعها بعد ذلك استطلاعات الرأي العام متضمنة احتمالات من يصل إلى سدة البيت الأبيض، علماً أن نتائج تلك الاستطلاعات وخلاصاتها وتوقعاتها لا تكون دقيقة ومطابقة للنتائج النهائية، وخير مثال على ذلك تقدم الرئيس الحالي دونالد ترامب على منافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات السابقة التي جرت قبل أربع سنوات حيث أشارت كل الاستطلاعات إلى تقدمها عليه وبفارق كبير، وجاءت النتائج النهائية خلاف ذلك ولعل المزاج الشعبي الأميركي اللحظي له دور في حسم تلك الأمور لجهة أن الانتخابات الرئاسية الأميركية هي انتخابات غير مباشرة، حيث يتم انتخاب الناخبين الكبار الذين يمثلون الحزبين في الولايات الخمسين وليس الرئيس المنتخب مباشرة ويبلغ عدد هؤلاء 538 وهو ما يساوي عدد أعضاء الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ وثمة مفارقة هنا وهي أن من يصل إلى سدة البيت الأبيض قد لا يحتاج سوى ل17 بالمائة من أصوات الناخبين، والسبب في ذلك أن الناخب الأميركي يحب أن يكون مسجلاً في لوائح الانتخاب وهؤلاء لا تزيد نسبتهم على 75 بالمائة من الأميركيين الذين يحق لهم الانتخاب يضاف إلى ذلك أن عدد المشاركين في الانتخابات يتراوح عادة بين 52الى 54بالمائة من المسجلين باللوائح الانتخابية، ويفوز بالرئاسة من يحصل على النصف زائد واحد من المجمع الانتخابي (الكوليج )ما يعني أن الفائز بالرئاسة يكفيه أن يحصل على حوالي 17 بالمائة من أصوات الناخبين ليكون رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
إن نظرة لتاريخ الانتخابات الأميركية تشير إلى أن لكاريزما المرشح دوراً كبيراً في النجاح وليس للحزب فقط، فالأحزاب الأميركية سواء الديمقراطي أو الجمهوري أو غيرهما هي اتجاهات وليست تنظيمات كما هو شأن الأحزاب عندنا فقد تجد ديمقراطياً ينتخب جمهورياً والعكس صحيح، وهذا ينسحب على مستوى مجلسي الشيوخ والنواب ولعلنا نتذكر أن الذي أنقذ الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون من العزل على خلفية علاقته مع مونيكا لوينسكي هو تصويت أعضاء من الحزب الجمهوري لصالحه وهو الديمقراطي، ما يعني أننا أمام ناخب ومتحزب أميركي مختلف عن غيره ما يعني عدم الركون النهائي لاستطلاعات الرأي العام بشكل نهائي ولاسيما في الوقت الراهن، حيث إننا أمام رئيس أميركي متقلب المزاج مغرور جاء من خارج مطبخ السياسة والسلطة تعني بالنسبة له كسب المليارات من الدولارات لحسابه الخاص، ما يعني أنه سيكون أكثر تشبثاً بها وقد لا يقبل نتائج الانتخابات إن خسرها بحجة التزويرأوالتصويت عبر البريد وهو المرفوض من قبله، أو ادعاء التدخل الخارجي كما بدا يروج ولعل تسمية رئيس للمحكمة الفيدرالية من قبله يعزز الاعتقاد بأنه قد يلجأ للمحاكم للاعتراض على النتائج، كما حدث في انتخابات عام 2000 بين جورج بوش الابن وآل غور ما يعني أننا سنكون أمام سيناريو غامض إن خسر ترامب الانتخابات في ظل حديث أميركي عن استقطاب داخلي اجتماعي أميركي على خلفية الصدامات بين السود والبيض في بعض الولايات الأميركية، تعيد الى الأذهان أجواء الحرب الأهلية الأميركية منتصف القرن التاسع عشر عندما فاز الرئيس إبراهام لينكولن بالرئاسة وأعلن أنه سيلغي الرق والعبودية ما أثار حفيظة قاعدة واسعة من مجتمع النخبة من البيض، هذه القاعدة التي يبدو أنها لا زالت تستوطن وعي قطاعات غير قليلة من الأميركيين ووجدت في الرئيس دونالد ترامب المعبر عن ثقافتها ومصالحها، هنا يكون الاحتمال وارد في ردة فعل عنيفة لها حال خسارته الانتخابات وتحريضه لها على التحرك لتأييده في اعتراضه على النتائج وهذا سيناريو افتراضي ولكنه وارد .
إضاءات – د . خلف المفتاح