لا يمكن لأحد إلا أن يصاب بالكآبة بعد أن وقف نتنياهو ليعلن أنه في مسار التطبيع مع الأنظمة الزاحفة الذالة قد أسقط في أحضانه عاصمة اللاءات الثلاث التي أعلنت في (الخرطوم) عام 1967، وهو بهذا يعتقد أنه أصبح في جهوزية تامة لتغيير خريطة المنطقة وتحويل “إسرائيل المعزولة” إلى “إسرائيل الكبرى” سيدة المنطقة.
ومَن ينظر إلى الانهيارات العربية ومَواكب المستسلمين اللاهثين للتطبيع مع العدو، ومن يتابع العقوبات الأميركية على محور المقاومة بكل مكوناته من إيران إلى سورية والمقاومة في لبنان وفلسطين، قد يسلم بأنّ العدو انتصر وبدأ يجني ثمار انتصاره ؟ وهنا الخطأ المميت. فالوضع – إذا أردنا أن نفهم – لا يعني كل هذه السلبيات والصور السوداء القاتمة، بل يحمل ما هو عكس ذلك تماماً، إذ إن القوى الرافضة للكيان العبري أصبحت تمتلك قوة عسكرية متنامية وكافية للصمود، وهذا يعني منع العدو من فرض إرادته في الميدان على خلفية التذكير بأن”إسرائيل” وحلفاءها فشلوا في حروبهم الرئيسية التي شنوها على سورية وعلى محور المقاومة في لبنان 2006. مع أن سورية لا تزال تعاني من العدوان، لكنها منعت المعتدين من تحقيق أهدافهم، ولا تزال سورية مكوناً أساسياً وقوياً ورافضاً لكل مشاريع التنازل والاستسلام، فلقد انتصرت سورية وجيشها الباسل على كل استراتيجيات العدوان من القوة الصلبة إلى الناعمة إلى الإرهابية إلى القوة الخفية والذكية والتدابير الإجراميّة المسمّاة زوراً بالعقوبات. وهذا ما تخشاه”إسرائيل” ويخشاه المعتدون وأنظمة التطبيع التي ستضع نفسها في مواجهة مع شعوبها الرافضة للكيان المغتصب لأرض فلسطين، فكيف يكون الوضع إذا امتد هذا الكيان إلى أراضي الشعوب العربية ؟
إن «إسرائيل» التي قامت على القوة الغاشمة، لا يمكن أن تستمر إلا بها فهي لا ترتاح إلا إذا شعرت بأنها تملك القوة وبإمكانها استخدامها في أي وقت لتحقيق أهدافها وليس السلام الذي تراه نوعاً من النديَّة مع الآخر .. أي آخر، حتى لو كانت أميركا ذاتها، وما رعبها من اختراق المقاومين لخطوط دفاعها الشمالية إلا دليل على هذا الرعب. إذاً فإن اي تطبيع مع هذه الدولة أو تلك هو عصيان لعقيدتها الإلغائية للغوييم غير “شعب الله المختار”.
وخلافاً لما تروج له “إسرائيل”، فإن مَن كان يرفضها من الدول حقاً، ما زال على رفضه، أما من كان يكذب ويناور ويرفضها علانية ويحالفها سراً فقد خضع الآن وخلع قناع الحياء والخجل وارتضى الظهور بصورة الخيانة والذلّ، وهذا يعني أن التطبيع تحصيل حاصل ولن يغير في موازين القوى أو في رسم أي خريطة استراتيجية في المنطقة. إضافة إلى كل ما سبق فإن تردّي الأوضاع الداخلية في الكيان العبري وفي أميركا تمنع من الاستمرار في الاستثمار في التطبيع. والحديث عن الترهّل والحروب الأهلية التي يخشى منها لم يعد سراً أو إشاعة بل بات أمرها يشكل رعباً حيث إنّ هذين الكيانين يمرّان بأسوأ الأزمات الداخلية، وهي أزمات تؤسّس لحروب أهلية.
وفي الاستنتاج نقول إنّ العدو يعرف، أنه ليس له أن يطمئن طالما هناك المقاومة في جهوزية تامة لإجهاض أي مشروع تطبيعي.
وإن غداً لناظره قريب
معاً على الطريق- د. عبد الحميد دشتي