الثورة أون لاين- فؤاد الوادي:
ساعات وربما أيام قليلة تفصلنا عن معرفة هوية الرئيس الأميركي الجديد، مع اختتام الحملات والجولات الانتخابية التي احتدمت خلالها المنافسة بين المُرشَّحِين الرئاسيَّين حتى اللحظات الأخيرة لكسب أكبر عدد من أصوات الناخبين، لاسيما في الولايات التي تقف على مسافة واحدة من دونالد ترامب وجو بايدن.
الانتخابات الأميركية تجري هذا العام، في وقت لايزال فيه شبح الانتخابات الرئاسية الماضية (انتخابات 2016) يلقي بمخاوفه وظلاله السوداء على الناخب الأميركي الذي يبدو وكأنه فاقد الثقة بجدوى صوته، على اعتبار أن هناك عوامل أخرى لها خاصية التأثير بالنتائج وحسمها لصالح أحد المرشحين.
لا تزال استطلاعات الرأي الأميركية خلال الساعات الماضية، وخاصة استطلاعات أمس وأمس الأول ترجح كفة بايدن وإن بتفاوت ونسب وقليلة، وهذا بحد ذاته مؤشر واضح على خيارات وأهواء وأمزجة الشارع الأميركي الذي تبين أنه ضاق ذرعاً بسياسات ترامب الحمقاء، لاسيما على الصعيد الداخلي، وفي مقدمتها فشله في إدارة أزمة جائحة كورونا.
غياب البرامج الانتخابية لكلا المرشحين لعب دوراً أساسياً في ضبابية المشهد الانتخابي، خصوصاً وأن الرجلين يمتطيان التصيد والاستثمار في أخطاء بعضهما البعض، وهو ما جعل التقارب بينهما سيد الموقف في كثير من الولايات لاسيما الولايات الرئيسة مثل فلوريدا، بنسلفانيا، ميشيغان، كارولاينا الشمالية، ويسكونسن وأريزونا، وهذه الولايات الكبرى كانت على مدى العقود الماضية هي الحاسمة في تحديد هوية الرئيس الأميركي، فمثلاً ولاية فلوريدا لم تستطع استطلاعات الرأي حتى اللحظة التنبؤ بخيارات وأهواء ناخبيها بالرغم من أهميتها الكبرى كونها تمثّل ركيزة منطقة «حزام الشمس» الممتدّة في الجنوب وجنوب الغرب الأميركي، حيث الكثافة السكانية والزراعة والصناعات العسكرية، وكذلك الأعداد الكبيرة من المتقاعدين الذين يشكّلون ثقلاً حقيقياً لجهة ميل الكفّة بين مرشّح وآخر، وهذا ما سوف يجعلها محور الاهتمام هذا اليوم، بسبب عدد ناخبيها الكبير والذي يبلغ 14 مليوناً، وبسبب حصّتها الكبيرة في الهيئة الناخبة والتي تبلغ 29 صوتاً، ما يجعلها من الولايات الحاسمة في الحصول على غالبية 270 صوتاً الضرورية للوصول إلى البيت الأبيض.
وبرغم أهمية ولاية فلوريدا، إلا أن المرشحين الرئاسيين لم يستطيعا إقناع الناخبين بأي من برامجهما خلال التجمعين الانتخابيين اللذين عقدا في الولاية أمس الأول حيث تباهى ترامب أمام مؤيّديه في تامبا بمعدّلات النمو القياسية التي تمّ تسجيلها في الربع الثالث من العام الجاري، والتي رأى فيها مؤشراً إلى تعافي اقتصاد بلاده الذي تضرّر جرّاء الأزمة الوبائية ، محذراً الأميركيين من أن تدابير الإغلاق التي ستُفرض في عهد بايدن لمكافحة الفيروس ستقضي على الحياة الطبيعية، فيما ذكر بايدن أنصاره بأهمية فلوريدا في حسم نتيجة الانتخابات، مؤكداً أنه لن يغلق البلاد، لكنّه سيضع «حدّاً للفيروس»، بايدن بحسب استطلاعات يوم أمس لايزال يتقدم في أوساط الناخبين السود بشكل كبير والنساء والمستقلّين ، كما أنه يعدّ مفضّلاً بين كبار السن والذين يشكّلون نسبة كبيرة من الناخبين في الولاية، ويتصدّر حالياً النتيجة في أوساط الناخبين الذين تبلغ أعمارهم فوق 65 عاماً (هذه الفئة إلى جانب المستقلّين دعمت ترامب في 2016)، كما يتساوى المرشّحان بين الناخبين المتحدّرين من أصول لاتينية (بحسب معهد «بيو» للأبحاث، حيث يحقّ لـ 32 مليون أميركي لاتيني التصويت هذا العام، وتظهر استطلاعات الرأي أن لهؤلاء الكلمة الفصل في بعض الولايات المتأرجحة، سواء في نيفادا أو أريزونا، أو في ولايات أخرى مثل ميشيغان وكارولاينا الشمالية.
ومثل فلوريدا، تُعدُّ كارولاينا الشمالية أيضا ولاية أخرى متأرجحة، إذ تبلغ حصّتها 15 صوتاً في الهيئة الناخبة التي تضمّ 538 عضواً، وبحسب آخر استطلاعات الرأي التي تُظهر تقدّم بايدن في ولايتين رئيستين، هما ميشيغان وويسكونسن، فإن فريق ترامب لا يزال يراهن على يوم الاقتراع، وعلى مَن يسمّيها بـ(الكتلة الصامتة) المؤيدة له، أو «أميركا المنسيَّة»، وقوامها طبقة العمال البيض في المصانع والمزارع وحقول التعدين، والتي يقول إنها ستَخرج للتصويت اليوم الثلاثاء.
هناك ولايات أخرى أيضا قد تشكل عاملا حاسما في الانتخابات، لاسيما نيويورك، وهي مدينة ترامب التي باتت تشكل أكبر معقل للرافضين له بسبب فشله في إدارة وباء كورونا الذي حول المدينة إلى مدينة أشباح بعد أن هجرها الكثير من سكانها خوفا من كورونا، وعلى الرغم من وجود أحياء كثيرة في المدينة مؤيدة لترامب ، وفي طليعتها جزيرة ستاتن آيلاند و كوينز وبروكلين، إلا أنه يُتوقّع أن يتلقّى فيها هزيمة نكراء على غرار ما حصل عام 2016، حين صوّت 79% من الناخبين النيويوركيين لمنافسته هيلاري كلينتون.