الثورة أون لاين – د.مازن سليم خضور:
عن سلسلة “الحرب الأخرى” والتي نقدم من خلالها في “الثورة أون لاين”.. طرحاً أكاديميا لواقع المنظومة الاجتماعية في سورية وأدوات ضربها من البوابة الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية.. اليوم نتحدث عن موضوع منتشر بشكل كبير بين الشباب السوري وهو موضوع التطرف الذي يعدّ من المشكلات الظاهرة بقوة في المجتمع السوري لاسيما في فترة الحرب حيث دلت التجارب النفسية و التاريخية أن التطرف سيبقى ما بقي المسبب، و سيتراجع تلقائيا بعد القضاء على العوامل المولدة له، ومسبباته في المجتمع السوري أثناء الحرب كانت متوافرة وبكثرة.
كلمة التّطرّف من أكثر الكلماتِ شيوعاً وتداولاً في وقتنا الحاضر، وهو مصطلحٌ يُستخدم عادةً للدلالة إلى كلِّ ما يناقض الاعتدال، وقد اختلفت مفاهيم التّطرّف إلى حدٍّ جعلَ من الصعوبةِ بمكانٍ تحديد أطرها و ذلك نظراً لنسبيّةِ مفهوم حد الاعتدال واختلافهِ من مجتمعٍ لآخر ومن زمانٍ لزمان و وفقاً لقيمِ وثقافة وعاداتِ كلِّ مجتمعٍ وزمان، وبالرّغمِ من هذا الاختلاف إلاّ أنَّ عدداً من الباحثين حاولوا التوصّل إلى تعريفاتٍ لمفهومِ التّطرّف، فمنهم من عرّفه بأنّه الخروجُ عن القيمِ والمعاييرِ والعاداتِ الشائعة في المجتمع، وتبّني قيماً ومعاير مخالفة لها، بينما عرّفه البعضُ الآخر بأنّهُ هو اتخاذُ الفرد أو الجماعة موقفاً متشدداً إزاءَ فكرٍ أو أيديولوجيا أو قضية ما، وقد يكون التّطرّف إيجابياً يتمثلُ بالقبولِ التّام لهذا الفكر، أو سلبياً يتمثلُ بالرّفضِ التام له ويقع حدُّ الاعتدال في منتصفِ المسافة بين القبول والرفض فالتطرف يشير إلى الابتعاد بشدة عما هو منطقي أو معقول أو مقبول كالتطرّف في الرأي وتشير كلمة “Extreme” إلى ناحيتين تكونان متناقضتين ومتباعدتين في المسافة عن بعضهما مثل انفعال الألم أو السرور .
وتتعدد أسباب التطرف في المجتمع السوري، منها ماهو اقتصادي كالبطالة والفقر ومنها ماهو سياسي كالكبت و ومنها ماهو ثقافي كالجهل الذي يعدّ آفة الشعوب وهو من أبرز أسباب التّطرّف لاسيما عندما يترافق بضخ كبير من المعلومات المغلوطة ويتلقفها الأشخاص، وبالتالي يتكون لديهم مجموعة من الأفكار الخاطئة ، إنّ سوء الفهم آفةٌ ابتلي بها كثير من الناس لاسيما في المجتمعات العربية، إحصائية حديثة أوضحت أن المجتمعات العربيّة تنفق سنويا خمسة مليارات دولار على السحر والجن الشعوذة والعلاج بالخرافات والغيبيات.
وهناك انتشار كبير لما يطلقون على أنفسهم أولياء الله أو الشيوخ المكشوف عنهم الحجاب أو الذين أوتوا قدرات خاصة غير عادية لشفاء الأمراض وعلاج الأزمات التي يقف أمامها الطب عاجزا مستغلين جهل المجتمعات و الرغبة في النجاح واليأس والعجز عن إيجاد حلول عملية لبعض المشاكل التي تواجههم.
وفي دراسة أجريت في جامعة دمشق ( دور القنوات الفضائية في نشر ثقافة التطرف في المجتمع السوري )في العام 2016 أي خلال فترة الحرب السورية، بينت الدراسة أن ” الأغلبية ممن استطلعت أراؤهم يتعصبون للأحزاب التي ينتمون إليها وهي نسبة عالية جداً و أقل من ثلث المستطلعين يحاولون محاورة من يخالفونهم بالآراء وهذا دليل على مدى التعصب في المجتمع السوري ورفض مبدأ الحوار و 70% من الآراء لا يتعاملون إلا مع من يتفقون مع مبادئهم ويستخدمون الشدة والحزم في التعامل مع من يرفض وجهات نظرهم ومعظم أفراد العينة متطرفون في أرائهم وسلوكهم ” .
وقد يكون التّطرّف كما ذكرنا إيجابياً يتمثلُ بالقبول التّام لهذا الفكر، أو سلبياً يتمثلُ بالرّفضِ التام له، ويقع حدُّ الاعتدال في منتصفِ المسافة بين القبول والرفض وفي كلا الحالتين يعتبرُ اللجوء إلى العنفِ سواءً كانَ بشكلٍ فرديٍّ أو جماعيّ من قبلِ الجهة المتطرّفة بهدفِ فرض قيمها ومعاييرها أو بهدفِ إحداث تغييرٍ في قيّمِ ومعاييرِ المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة، يعدُّ أحد أشكال التّطرّف، لذا يمكن القول إنَّ كلّ إرهابيّ هو بالضرورةِ متطرّف والعكس ليس صحيح لأنه يمكن أن يكون الشخص متطرفاً فكرياً واجتماعياً ولكنّ ليس سلوكياً، فالتّطرّف غالباَ ما يرتبط بالتّعصّب والانغلاق الفكريّ.
يخلقُ المتطرّفون غالباً لأنفسهم عالماً منفصلاً عن الواقعِ ومن أبرز ملامحه حب السيطرة والاستيلاء على السلطة، ومن أكثر مظاهر التّطرّف انتشاراً هو التّعصّب وعدم الاعتراف بالآخرين ولا بآرائهم، والتشدد والغلو في الآراءِ كذلك العنفُ في التعاملِ والخشونة في الأسلوب وإلغاء الحوار وعدم الاعتراف بالرأي الآخر بالإضافة العزلةُ عن المجتمع .
فالتّطرّف ينبعُ من الثقافةِ الموجودة في المجتمع السوري التي تقومُ في بعضٍ منها على مبدأ أساسيّ هو التحريم أو المنع والذي يقوم على منعِ كلّ ما هو مخالف لاعتقادِ بعض الجماعات كذلك ثقافةُ المجتمعات العربيّة تقوم على الانقسام الدائم فالتّطرّف يولدُ في المجتمعات المغلقة.
في ظل ما تم ذكره دائما معرفة الأسباب والمسببات من شأنه تقديم أرضية علمية كالعادة لتقديم مروحة من الحلول ومنها.. نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف والتركيز على استخدام أساليب التعزيز بكافة أنواعها واستثمار مهارات التواصل لدى وسائل الإعلام الفعّالة والعمل على نشرِ القيّم الاجتماعيّة الايجابيّة ونشرها وكذلك نشر الوعي بين الطلاب خصوصاً وبين أفراد المجتمع عموماً عن طريقِ وسائل الإعلام بأهمية الابتعاد عن الفكر المتطرّف وتوضيح نتائجه السلبية على الفرد والجماعة والمجتمع وعلى الجهات القائمة على السياسة الإعلاميّة في المحطاتِ الفضائيّة إعادة النظر بما تنشره من أفكارٍ وصورٍ وفيديوهات تساهمُ في نشر ثقافة التطرّف في المجتمع العربي .
ومن المقترحات التركيزِ والاهتمامِ بنقلِ ولاء الفرد من المؤسسات التقليديّة ( الأسرة ودور العبادة ) إلى المؤسسات الحديثّة والعلميّة (مؤسسات الدولة الخالية من الفساد) لتعميق وتفعيل دور المواطنة لدى الأفراد والاهتمام بالمعالجة الإعلاميّة الشاملة لظاهرة العنف وتبيان كلّ أسبابها ونتائجها وأشكالها .
ومن الجوانب المهمة تشديد الرقابة على الخطاب الديني في دور العبادة وتشجيع الحوار بين الأديان بين جميع أطياف المجتمع الإسلامي
ومع الحوار الإسلاميّ المسيحيّ وكذلك العمل على عقد حوارات ومنتديات لتعارف الحضارات وإظهار المبادرات والحوارت التي تدعو للتسامح والحوار والإضاءة على أي مبادرة تدعو للمصالحات و التسامح.