المعايير النقدية الأساسية في الفن التشكيلي الحديث، تتحدد بمدى القدرة على التمييز بين أربعة أنواع من الفنانين، فهناك فنان خط يرتكز على حركة وايقاعات الخطوط، في خطوات إنجاز لوحته التشكيلية، وهناك فنان لون يرتكز بصورة أساسية على اللون وإيقاعاته وتدرجاته البصرية.
وفي الحالة الأولى يكون الخط في اللوحة أقوى من اللون، أما في الحالة الثانية فنجد العكس، وهناك فنان ثالث يمتلك قدرات في الخط واللون ويجمع في لوحاته بينهما، وهذا ينتج فناناً تعبيرياًَ خطياً، وفناناً تعبيرياً لونياً، وصولاً إلى التجريد الخطي والتجريد اللوني، مروراً بكل الاتجاهات والتيارات الفنية الحديثة.. وبالطبع تختلف قدرات وأهمية كل فنان عن الآخر، حسب درجة موهبته وإبداعه.. وهناك نوع رابع لا يوجد عنده لا خط قوي ولا لون لافت، حتى وإن كان يعتمد على حركة الخطوط ولمسات اللون في تشكيل لوحاته.
وأفضل مثال هنا لؤي كيالي وعمر حمدي؛ فالأول فنان خط بامتياز، لأنه كان يمتلك رشاقة وليونة وحيوية حركة الخطوط التي تحدد الأشكال والعناصر، أما اللون عنده فهو متقشف ومحدد الدرجات في أكثر الأحيان، بعكس عمر حمدي الذي كان فنان لون وخط وضوء من الطراز الرفيع، ولا يشق له غبار في كل المواضيع التي تناولها في لوحاته في الإقامة والاغتراب، حيث كان يبتعد عن المساحات اللونية الواسعة، التي ميزت معظم لوحات لؤي كيالي، الذي اعتمد على خطة خطية في خطوات التعبير عن حالات البؤس والتشرد والضياع وصولاً الى حالات تجسيد المأساة الكاملة، مرورأ بلوحات الصيادين والقوراب والبحر، والزهور ومعلولا وغيرها.
هكذا يبرز التمازج اللوني القزحي، والجو اللوني العفوي والغنائي والاحتفالي في لوحات عمر حمدي التعبيرية والانطباعية والتجريدية، ويصل إلى حدود الإبهار، مع إعطاء أهمية قصوى لإيقاعات الضوء وتحولات اللون في الفصول الأربعة بلوحاته الانطباعية، التي احتفى فيها بالطبيعة، في خطوات الرسم في الهواء الطلق.
رؤية ـ أديب مخزوم