من خلال متابعة الانتخابات الرئاسية الأميركية والتغطية الإعلامية الهائلة لها والمتابعة من قبل مئات الملايين لنتائجها يطرح السؤال على مستوى الشارع، لماذا كل هذه التغطية الواسعة ولماذا كل هذا الاهتمام بهكذا حدث هو في مضمونه حدث محلي خاص بالشعب الأميركي وممارسته لحقه الدستوري في انتخاب رئيسه وممثليه لمؤسساته الوطنية، سواء كان مجلس الشيوخ أو النواب لتفسير ذلك والإجابة عليه، يؤخذ في الاعتبار جملة من الأسباب والعوامل في مقدمتها التأثير الكبير للولايات المتحدة الأميركية في المشهد الدولي بوصفها أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وإعلامية واستخباراتية في العالم، وإنها تسخر كل هذه العناصر لتحقيق استراتيجيتها الكونية تحت عنوان المصلحة القومية والأمن القومي الأميركي، ناهيك عن أنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وبهذه الصفة تحول دون قيام المجلس باتخاذ أي قرار لا تراه منسجماً مع مصالحها أو مصالح حلفائها في العالم، ناهيك عن كونها تملك أكبر حصة في البنك الدولي ما يمنحها إمكانية منح قروض أو حجبها عن كثير من دول العالم وتستخدم البنك الدولي للتأثير في سياسات الدول الاقتصادية عبر طرح مفهوم الخصخصة وجعله شرطاً لمنحها قروضاً أو تسهيلات مالية، وإلى جانب ذلك تتحكم الولايات المتحدة الأميركية وتمتلك النصيب الأكبر في أهم البنوك العالمية ومنها البنك الفيدرالي الأميركي الذي هو قطاع خاص إضافة إلى أنها متحكمة إلى حد كبير بسعر الدولار وحركته وقيمته التبادلية وتتركز أكثر الإيداعات في بنوكها، ويعد وول ستريت أهم مؤشر على قيمة وحجم العملات العالمية القابلة للتبديل ويشكل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي 20 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي.
إن الإشارة إلى تلك العناصر لا تعني أن الولايات المتحدة الأميركية قوة لا تقهر أو أنها متحكمة في كل شيء وتمتلك وتتحكم بدفة السياسة العالمية ولكن الفكرة هي الإضاءة على موقع أميركا الفاعل في المشهد الدولي وتقلباته وممارستها لعناصر القوة تلك لتحقيق هدفين، إما الحاق الأذى بخصومها أو تحقيق منافع ومكاسب لبعض حلفائها ولها المصلحة والشراكة في ذلك فهي بهذا المعنى توظف وتستثمر كل عناصر القوة تلك لخدمة أهدافها وإلى جانب ذلك وهنا تكون الإجابة على التساؤل المتعلق بحجم الاهتمام بالانتخابات الرئاسية يمكننا القول: إن لوسائل الإعلام الأميركية أو الممولة أميركياً أو التابعة للنهج السياسي الأميركي وهي منتشرة على مستوى الساحة العالمية دوراً كبيراً في إبراز ذلك الحدث وتدويله وجعله محط اهتمامات الرأي العام العالمي، وذلك لأسباب منها انتشاره الواسع في معظم أرجاء العالم وامتلاكه لتقانة عالية واستقطابه لكوادر عالية التأهيل والثقافة إضافة للخطاب الذي يتماشى مع مصالح مصدريه ويتناغم مع اهتمامات الرأي العام وطريقة وأسلوب تظهيرها، إضافة للإمكانات المالية والنفقات المرتفعة التي تخصص لقطاع الإعلام بوصفه القوة الأساسية الناعمة المؤثرة في تشكيل موقف من قضية ما وإبرازها على السطح أو تهميشها ما يجعلها خارج التداول والاهتمام على مستوى الرأي العام العالمي أو الوطني، حتى يضاف إلى تلك العناصر السرعة في نقل الحدث وتوصيفه ودرجة المصداقية في ذلك أي مصداقية الوسيلة الإعلامية من عدمها وهذا تحدده الصورة النمطية المتشكلة في الوعي العام تجاه تلك الوسيلة سواء كانت سلبية أم إيجابية.
والحال يمكننا القول: إن امتلاك أدوات ووسائل إعلام حديثة متطورة واسعة الانتشار مع كوادر عالية التأهيل ومحتوى إعلامي مناسب يقوم على الاستبيان ووحدة القياس، والمردود ذو مصداقية قريب من الجمهور وقضاياه واهتماماته مع مساحات واسعة من الحرية والرأي والرأي الآخر ينحاز للحقيقة ويحترم مشاعر الجمهور ويحصل على المعلومة من مصادرها الأساسية، ولا تخضع لهوى أشخاص أو جهات تصادر دوره ووظيفته وتجعل منه إعلام سلطة أو أجهزة بدل إعلام وطن كلها عناصر حاسمة لإعلام ناجح وفاعل ومهني يمكن الرهان عليه في كل الظروف .
إضاءات د . خلف المفتاح