الملحق الثقافي:سهير زغبور:
إذا أردنا الحديث عن المعنى الدلالي للأدب، فإننا سنفتح الباب على مصراعيه أمام قضاياه ولاسيما المجتمعية منها، لما له من تأثير عليها حد تغييرها بكل ما لهذه الكلمة من معنى. التغيير الذي لابد أن يكون إلى الأفضل. وهذا ما عبر عنه شوقي ضيف في تعريفه للأدب حين يقول: “هو الكلام الإنساني البليغ الذي يُقصد فيه إلى التأثير في عواطف القراء والسامعين سواء كان شعراً أم نثراً”. إذاً العلاقة بين الأديب ومجتمعه هي علاقة تأثر وتأثير، نظراً إلى موقع الأديب وقوة وقع كلماته على المتلقي، وبالتالي تغيير كثير من المفاهيم السائدة نحو الأفضل.
وهذه العلاقة ليست حديثة العهد وإنما هي منذ النشأة الأولى للأدب. فحين قال عمرو بن كلثوم “الهى بني تغلب عن كل مكرمة”، يفاخرون بها مذ كان أولهم، يا للرجال لشعر غير مسؤوم”، ربط قوله بالقبيلة، فلم يفصل ذاته عنها. وكذلك الأمر في الإلياذة” التي تغنى بها “هوميروس” بعواطف الجماعة اليونانية حتى نشأ قول إن ناظمها ليس هوميروس نظراً لاتخاذها الطابع الجمعي. وهذه اللحمة لم تقف عند ذلك الوقت بل تطورت بتطور العصور وازدادت تعمقاً وخير دليل ما دعا اليه قاسم أمين في عصر النهضة إلى تحرر المرأة، فكان لقلمه الصوت العالي والصدى الأعلى.
هذا يعني أن ارتقاء الأمم ليس في علومها وحسب وإنما في آدابها أيضاً. يقول ميخائيل نعيمة: “نحن ممن يقدرون ارتقاء الأمم بارتقاء آدابها. ولذا كان الكاتب المجيد سواء كان روائياً أو صحافياً أو شاعراً، الكاتب الذي يُعِدّ لنا من كل مشهد من مشاهد الحياة درساً مفيداً”.
وبالتالي وجد الأدب ليكون رسولاً بين الكاتب والقارئ، لذا كانت مهمة الأديب صعبة ومفصلية وصاحبة قرار حقيقي في التغيير لأنها تلك الكيمياء الروحية القادرة على التفاعل الحقيقي بين الكاتب والمجتمع، وإعادة بناء كل ما تصدع وهيكلة جديدة لمفاهيمه حسب مقتضيات العصر وتطوراته، وتوظيف المعطيات في النهوض به نحو الأفضل. لأجل ذلك نجد الأدب الملتزم من أرقى أنواع الأدب لأنه بعيد عن الأثرة، هادف إلى الأرقى. يقول القاص يوسف إدريس: “أما نحن فإننا ندعو من أجل تدعيم هذا الأدب وتركيزه، وتوضيح اتجاهاته إلى سلوك سبيل الالتزام. سموه ما شئتم، ذلك هو الأدب الحي، الذي ينبع من المجتمع ويصب فيه”. فالعلاقة بين المجتمع والأديب جدلية ملزمة لا يمكن عزل أي منهما عن الآخر. ولعلنا اليوم أحوج إلى أدب يكون مصد رياح في وجه هذه الحرب الضروس التي تعصف بنا من كل الاتجاهات، سواء أكانت عسكرية أم اقتصادية أم ثقافية أم لغوية أم حرب قيم وثوابت. في ظل كل هذه التحديات والمراهنات علينا أن نتمسك بوطنيتنا وعاداتنا ومبادئنا دون أن نقف متخلفين عن ركب الحضارة في الوقت ذاته. ومن هنا ازدادت أهمية الدور التوجيهي للأدب من خلال التركيز على تطوير أدوات المجتمع التي تمثل المناعة الحقيقة له، مع الحفاظ على ذلك التوازن بين الأصيل والجديد. لذا لابد من الإشارة إلى أمر هام ألا وهو دور الأسرة في ترغيب الأبناء بالمطالعة وفسح المجال للولوج إلى كل معابر الأدب التي تصل بهم إلى بر الأمان خاصة في عصر سيطرة التكنولوجيا على أوقاتهم وعقولهم – على اهميتها – إلا أنها لا تغني عن القراءة التي ستكون مفتاح العقل الحقيقي للانفتاح على العالم. ومن غير لغتنا يفي بالغرض؟ أوليست بدءاً مخصباً وسدرةٍ شهية القطاف؟
التاريخ: الثلاثاء10-11-2020
رقم العدد :2020