من جملة الوعود التي أطلقها المرشح الأميركي المنتخب جو بايدين، العمل على استعادة “كرامة” البيت الأبيض – وكأنها كانت موجودة من قبل – هو بكل الأحوال ورث عبئاً ثقيلاً من الخراب والتدمير للعلاقات الدولية التي أحدثته سياسة ترامب، ربما يحاول ترميم بعض ذلك الخراب على مستوى الحلفاء التقليديين لضمان استمرارهم كشركاء داعمين لسياسة البلطجة الأميركية، ومنفذين لمخططات البيت الأبيض المتصلة باستهداف هذه المنطقة أو تلك، بما يتوافق مع المصلحة الأميركية التوسعية، ولكنه بكل تأكيد سيبني على تلك السياسات الهدامة المتصلة باستهداف الدول المناهضة للسياسة الأميركية، والرافضة لمشروعها الفوضوي، فهذا نهج ثابت لكل الإدارات الأميركية المتعاقبة، والتجارب الماضية تثبت ذلك.
في عهد إدارة ترامب التي تراكم في أيامها الأخيرة جرائمها بحق الإنسانية، وقوانين الشرعية الدولية، وصل مستوى البلطجة في السياسة الأميركية إلى حد شرعنة الإرهاب، ووضعه تحت مظلة الحماية الأميركية، هذا ما يحصل في سورية على سبيل المثال، وكذلك سن قوانين من خارج منظومة الشرائع الاخلاقية والإنسانية، لدعم هذا الإرهاب، وما يسمى قانون “قيصر” يجسد هذه الحالة، هذا بالإضافة إلى إعطاء تلك الإدارة الحق لنفسها في التصرف في أراضي الدول الأخرى وكأنها جزء من الممتلكات الأميركية، فأجازت منحها للكيان الصهيوني، ” الجولان السوري المحتل، والقدس المحتلة ” مثال صارخ، فهل سيكون بوارد إدارة بايدين إعادة النظر بتلك السياسة الداعمة للإرهاب؟، والعمل على سحب قواتها المحتلة من منطقة الجزيرة والتنف؟، أو مجرد التفكير بتخفيف العقوبات الجائرة التي تستهدف الشعب السوري؟، وهل بواردها التفكير في إزالة العقبات أمام عودة المهجرين بفعل الإرهاب المدعوم أميركياً وغربياً؟.
سورية لم تعول يوماً على أي رئيس أميركي “جمهوري كان أم ديمقراطي”، كلهم ينفذون ذات الأجندات العدوانية ولكن بأساليب مختلفة، وبايدين لن يكون أقل سوءاً من ترامب لجهة التعاطي مع الحرب الإرهابية على سورية، فهو وريث إدارة أوباما السابقة، وسياسته ستكون امتداداً لتلك الإدارة التي شغل فيها منصب نائب الرئيس، وربما كان له دور كبير في إنشاء تنظيم داعش الذي ولد من رحم استخبارات تلك الإدارة، وكان لها اليد الطولى في تمكين التنظيمات الإرهابية ” النصرة ومشتقاتها” في التمدد والانتشار داخل الأراضي السورية، وهي أول من شرعنت جرائم تلك التنظيمات تحت مسمى ” معارضة معتدلة”، وحشدت لها “الأصدقاء” من أكثر من مئة دولة، وأقامت العديد من مؤتمرات الدعم لها في أكثر من عاصمة دولية و”عربية”، وكل ما سبق يجعل من إمكانية أن تعيد الإدارة الجديدة مقاربتها تجاه دعم الإرهاب والعدوان على سورية ضرب من التمنيات العبثية، خاصة وأن إضعاف سورية واستنزاف قدراتها وإمكانياتها هو هدف صهيوني بامتياز، ولم يسبق لأي إدارة أميركية أن تخلت عن دعم الكيان الصهيوني، أو انتهجت سياسة مخالفة لمصلحة مشروعه الاحتلالي التوسعي.
كل من يسكن البيت الأبيض هو فاقد لـ “الكرامة”، ولن يكون بوسع بايدين أو سواه استعادتها لأنهم يفتقدون لمعناها، معايير الهيمنة والتسلط التي تتحكم بدوائر القرار الأميركي تفرض على أي رئيس جديد أن يتجرد من كل القيم الإنسانية والأخلاقية، إدارة ترامب تمارس سياسة البلطجة والعدوان حتى رمقها الأخير، وتهيئ للساكن الجديد الأرضية لمواصلة تلك السياسة، ضمن خطط مدروسة، ومتفق عليها بين الجانبين، ولاحظوا أن هذه الإدارة استبقت المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين الذي تحتضنه دمشق غداً بحزمة عقوبات جديدة، والقائد الجديد لمجموعة الارتباط بالتنظيمات الإرهابية تحت مسمى المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية “جويل رايبورن” توعد بالمزيد خلال المرحلة القادمة، تماماً كما توعد سلفه الكاذب جيمس جيفري الذي أكد أن سياسة بلاده العدوانية تجاه سورية لن تتغير خلال فترة حكم بايدن، فكيف إذاً لهذا الرئيس المنتخب أن يستعيد ” كرامة” بلاده المهدورة دوماً، وهو لن يختلف عما سبق وأهدرها من قبل؟!.
نبض الحدث- ناصر منذر