الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
«لا لنْ تُغلّ قصائدي/ لا لن تموت/ ما دامت الأكواخ تفترشُ المدى/ والكونُ من حولي صموت/ والنهر يحضنُ ما تبقى من ظلالٍ/خلفَ أروقة السكوت/ والعاشقان.. صهيل حنجرتي/ وأعتاب البيوت»
كلماتٌ قالتها شاعرة، تعرِّفك قصيدتها بها.. تعرِّفك بأنها ابنة الشهامة المرفوعة بقضاياِ الكرامة العربية.. ابنة الأرض التي تنجب الأبطال، والحق الذي لا يُعلى على صوتهِ والنضال..
“ريم البياتي” الشاعرة التي ارتحلت بقصيدتها عبرَ فضاءاتٍ تنشدُ فيها المحبة والعدل والسلام والإنسانية، وبمفرداتها المتّقدة غضباً تطلقه من حنجرة الأرض وصرختها السورية:
/هذه الأرض بلادي/ كلّ ما فيها صبورْ/ زرقةُ الأمواج/ جذرُ السنديانْ/ بؤبؤ العينينِ/ أوكارُ النسورْ/ أصدقاءُ الصمتِ أطفالي/ وأرقامُ القبورْ/ حجرُ الصوّانِ/ أمشاطُ الصبايا/ ورجالٌ.. تُلبسُ الموتَ قميصاً للنشورْ/..
إنه ما كان سبباً في جعل قصيدتها، رصاصة في صدرِ كلّ عدو وخائن ومقامر بأبناء عروبتها. رصاصة الكلمة التي سألناها عن القضية التي تحملها، فأجابت: “الأرض ثابتة هنا” وتابعت بقولها:
/قاومْ كما الفجر النقي مع الصباح/ أنسامُ سلمكَ هاجرت/ ونضال كفِّك سوف تلثمه الرياح/ قاومْ فإن الأرض بلسم عشقنا/ وعلى بنادقنا جراحات الكفاح/ ..
/قاومْ/ فأولاد الزناةِ يساومون/ يتراقصون على جراحك/ يثملونْ/ ويقايضون رفاة أمك/ وابنتيكْ/ يتساءلون: من أين يأتيكَ النهار/ وظنّهم/ قد أغلقوا أبوابه/ أو يعلمون؟.. إن هذي الأرض لا تهوى سواكْ/ فإذا تهاوتْ نجمة/ فازرع نجومك في ثراك/ واكتب عليها عائدونْ/..
شاعرة مشغولة بالوطن و المقاومة التي أرادتها تزلزل الوجود بكلِّ خائن ومعتدٍ وعدوٍّ جبان.
المقاومة، القضية التي حمَّلتها لقصائدها المعروفة بانحيازها للإنسان وحقوقه وقضاياه المصيرية.. المقاومة في “العراق” و”اليمن” و”لبنان” و”فلسطين” التي كان لها تجاه معاناة أهلها، موقف شعري قالت فيه وبعد أن ردّت على سؤالنا عن سبب كونها الشاعرة الأكثر تناولاً للقضايا العربية.
عندما أكتب عن أي بلدٍ عربي، وأغوص في معاناة أهله، فهذا لأني ما زلت أحمل الدمّ العربي.. لا أنتمي لأي طائفة أو مذهب أو حزب، فحزبي الفقراء والإنسانية، وعقيدتي المقاومة، ألتقي وأتقاطع مع من يحمل هذا النهج وأناصره بحرفي:
/في السفحِ أسراب الجراد/ وقمح أمي/ ما يزال على البيادر/ وأنا أحبُّ القمح في عينيّ أمّي.. والضفائر/ وأحبُّ أن أعدو بهذا الكون/ أحياناً كطائر/ نامي قليلاً/ كي ألمّ الحبَّ/ من عينيكِ/ من أمّي/ ومن بردِ المخيم والجياع/ وأُلقِّمُ القد “المحتّم”/ بالضياعْ/..
حتماً، الواقع العربي المزري هو ما جعلها، توقد الكلمات سعياً لأن تضيء على ما ظلمه وأظلمه.. تفعل ذلك، دون أن تتوقف عن السؤال: “هل ظلّ للفكر ما يحمله؟!”.. نوجه لها السؤال ذاته، ليكون جوابها ورسالته:
خلال تاريخ البشرية الطويل، تعرضت الكثير من الأمم لحروب وغزوات، خلفت دماراً في الأرواح والممتلكات، لكنها نهضت ثانية متكئة على وعيها الجمعي، وهويتها القومية، وأعادت ترميم وبناء ما تقدم.
أعتقد أن ما نتعرض له اليوم كشعوب عربية، لم يسبق له مثيل في التاريخ، فالحرب حرب هوية وفكر قبل كل شيء.. حرب إلغاء تاريخ وذاكرة وطمس الوعي، وإعادة تدويرنا لنصبح صالحين للاستهلاك من وجهة نظرهم. يا أهل الفكر، لستم كغيركم من الناس، فأنتم من تساهمون في البناء الأكبر. بناء العقول.. ما تبقى من ذاكرة هذه الأمة وهويتها أمانة في أعناقكم».
نتوقف.. نتأمل في دواوينها، ونقرأ من عناوينها.. “لتلك الوجوه أصلي” و”مزامير الوجع” وظل الياسمين” وأخيراً.. «هذيان الحطب”.. نقلب في صفحاته، ونسمع منها حكايته:
“إنه هذياني في عالم يحتطب الحلم، ويطحن أعمارنا فيأتي خبزه عارياً إلا من شوكٍ يدمي الأفواه. ما هو يقين، أن كلّ حرف فيه كتبته بحبرِ روحي، ونبض دمي لوطني الكبير وأمتي.. للذين يوقظون الفجر، والذين ينامون على جراحهم”.
حكاية جعلتنا نسائلها: “هل يمكن القول إنها “تعويذة أم”؟.. نظرت إلى المدى الشاسع في وطنها، ثم قالت بألم:
نعم، هي “تعويذة أم.. إلى كلّ من يقف هناك حارساً، لأظلّ هنا ويظلّ وطني:
/سلام الله ياولدي/كيف الحال/؟.. هنا جسدي/ وعند حدودِ خيمتكم/ فؤادي أدمن الترحال/ ألا اخبرني عن عينيك يا كبدي/ ؟..
أخيراً نقول: لا ينتهي الحوار مع شاعرة، أجادت في جعل الشعر موقداً واللهب يطال فضاء الأوطان التي أبت إلا أن تسمعنا وتسمعها: «آخر الخطب»:
يا أمّة تنام في إزارها العقارب/ وتحرس الكروم في شعابها الثعالب/ يا أمّة تغوص في أكفانها المصائب/ لعنتُ كلّ شاعرٍ في أرضها لا يقتني قنبلة/ ليكتب القصيدة المشتعلة/.