الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
الظروف والأحداث التي كانت تعصف بالمنطقة في منتصف القرن الماضي، أجبرت الفعل العربي الذي كان منهكاً ومحبطاً نحو حدود اليأس، على النهوض من تحت الرماد بعد أن فرضت نكبة 1948 وتداعياتها الكارثية على الأمة واقعاً جديداً كان العرب ملزمين بتغييره لإخراج أنفسهم من ذلك النفق المظلم، وإعادة الأمور إلى نصابها، وكانت سورية سباقة بهذا المشروع النهضوي لنفض غبار الهزيمة العالق في النفوس على مدى أحداث صعبة ألمت بالأمة من أجل تحرير الأرض والإرادة من جهة، واستعادة الحقوق المغتصبة من جهة أخرى.
ضمن هذا السياق التسلسلي للأحداث والتطورات في المنطقة كانت الحركة التصحيحية المجيدة في السادس عشر من تشرين الثاني عام ١٩٧٠ خياراً حتمياً لتصحيح الأوضاع وتصويب البوصلة واثبات الذات والهوية وتأكيد الصحوة، بغية تعزيز موقع الأمة واكتشاف نقاط القوة الكامنة فيها، لذلك كان واضحاً أن الهدف الأسمى للحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد هو إعادة تشكيل الهوية الوطنية بما يعزز نقاط القوة الكامنة، ويواكب المتغيرات والتطورات العربية والإقليمية والدولية في تلك المرحلة التي كانت تحتاج إلى تكاتف وتلاحم وتوحيد وتضافر الجهود العربية، بما يؤمن قاعدة صلبة لمواجهة التحديات والظروف الصعبة التي خلفها اغتصاب فلسطين، وعودة الاستعمار الغربي الى المنطقة بأشكال جديدة وتحت عناوين مضللة وشعارات مزيفة.
وعلى هذا الأساس شكلت الحركة التصحيحية نقطة تحول حقيقية في تاريخ سورية لجهة ترسيخها مفهوم الدولة كمنظومة قائمة تمارس فيها كل أنواع العمل المؤسساتي والقانوني والحزبي بشتى معانيه وأبعاده ومقاصده الديمقراطية والمجتمعية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل انتقلت سورية بعد الحركة التصحيحية الى مرحلة الحضور العربي الفاعل والمؤثر في الساحتين الإقليمية والدولية، لتوضع سورية منذ ذلك الوقت تحت مجهر الأعداء والطامعين، حيث بدأت دول الاستعمار تحيك لها المؤامرات والمشاريع بغية اغتيال دورها والتعتيم على حضورها بهدف إعادتها الى مرحلة ما قبل مرحلة التصحيح، ولعل ما يجري اليوم من حرب إرهابية على الدولة السورية يندرج ضمن هذا السياق.
لقد كانت الحركة التصحيحية ضرورة وطنية فرضتها الظروف الداخلية التي كانت تتجه بالبلاد نحو منزلقات خطيرة نتيجة سلسلة من الصراعات والانحرافات السياسية التي انعكست سلباً على الواقع السياسي والاجتماعي للشعب السوري الذي ضاق ذرعاً بوضع بات يشكل كابوساً لكل مواطن فيه، أضف إلى ذلك تلك المتغيرات العربية والدولية التي كانت تجتاح المنطقة العربية برمتها التي كانت تجثم على ركام من الاحباطات بعد جملة من النكسات والهزائم التي أحدثها ذلك الواقع العربي المتشرذم.
من هذا المنطلق كان التصحيح مطلب كل السوريين الذين أدركوا أن ذلك كله لن يتحقق إلا بوجود قائد كبير وفذ يؤمن بالجماهير كأداة وحيدة وفريدة لتحقيق كل ضرورات ومتطلبات المرحلة التي وجدت ضالتها في القائد المؤسس حافظ الأسد الذي اعتلى منصة التغيير، وأمسك براية التصحيح بكل إصرار وتصميم وشجاعة، واضعاً نصب عينيه أن الإيمان بالوطن والشعب هو المخرج الوحيد من الواقع المؤلم.
شمس التصحيح أشرقت على كل سورية وعمت مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية لتكون بمثابة ثورة شاملة أعادت الروح والحياة إلى الوطن والجماهير بعد أن كادت في لحظة من اللحظات تفقد الأمل في إمكانية تغيير واقعها الصعب، وتلمس طريق الحرية والكرامة والعدالة والحقوق، حيث جاء التصحيح ليعدل المسيرة ويعيد الأمور إلى نصابها مستعيداً المكانة اللائقة بسورية على مر التاريخ.
إن حالة التماسك والصمود والوحدة الوطنية التي واجه بها الشعب السوري أعداءه منذ بداية الحرب الإرهابية عليه قبل نحو عشرة سنوات، تعود أسبابها إلى تلك الركائز والدعائم التي بنتها وأسستها الحركة التصحيحية قبل نحو خمسة عقود، لذلك نقول إن معركتنا اليوم ضد الإرهابيين وداعميهم هي امتداد واستكمال للمعركة التي خاضتها الحركة التصحيحية منذ انطلاقتها ضد كل الأعداء والطامعين والعابثين، وهو ما يزيدنا تمسكاً بقيم التصحيح، تلك القيم التي أولت بناء الإنسان والوطن على أسس سليمة الأهمية القصوى، والتصاقاً بنهجها الذي أثبت صوابيته في كل المجالات والميادين، وإذ نحتفل اليوم بعيدها الذهبي حري بنا أن نعزز ثقافة الصمود والمقاومة إلى جانب قيم المحبة والحوار والتسامح والمصالحة، وبذلك نكون أوفياء حقا لهذه الحركة التصحيحية المجيدة.