الناقد قبل أي شيءآخر، يجب أن يكون متابعاً، وعلى معرفة بأدق التفاصيل، وإلا لا يحق له أن ينتقد ويدين بدون تقديم الأدلة والوثائق القاطعة، ومن يدين الآخر بدون أدلة واضحة، يصبح متجنياً، ويستحق العقوبة، التي ينص عليها القانون، ولقد تفاقمت ظاهرة التجني والمشاكسة، لعدم وجود متابعة ومساءلة ومحاسبة.
وحين كتبت وقلت مراراً وتكراراً إن بعض الكتب التشكيلية، التي صدرت في مراحل سابقة، زورت التاريخ الفني، وحفلت بالأخطاء التوثيقية والمغالطات النقدية، وغيبت أكثر من مئة فنان، بعضهم من كبار رواد الحداثة، قدمت الوثائق والأدلة، ونشرتها بعدة زوايا، كما سلطت الضوء عليها في محاضرة أقمتها على منبر المركز الثقافي في أبو رمانة، بحضور الفنانة التشكيلية أ. رباب أحمد مديرة المركز.
الذي يقدم الدليل القاطع على أن البعض ضد أخلاقيات وسلوكيات العمل النقدي، ويعملون على تشويه الحقائق، وإشاعة الفوضى الفنية والثقافية، هو أن بعض الهواة في النقد والفن يأخذون في أحيان كثيرة أماكن كبار المبدعين، وهنا تبرز المشكلة الأساسية في هذه المسرحية، التي يتساوى فيها العالم مع الجاهل، والمحافظ على أصول العمل النقدي، مع الدجال المقحم نفسه في الحياة الفنية بلا أدنى متابعة ومعرفة وخبرة وثقافة.
وإذا استثنينا أسماء قليلة ونادرة، فإن أغلب النقاد والفنانين، لا يعرفون ما يجري في كواليس الفن والنقد، من أخطاء ومغالطات وتزوير، والمأزق الأساسي الذي يعانيه النقد التشكيلي المحلي حصراً، لا يكمن فقط في هيمنة المديح المجاني، بلغة تقريرية تجاوزها الزمن، ولا في الترويج لأصحاب التجارب المتواضعة، ودفعها خطوات إلى الأمام، وإنما تكمن بالدرجة الأولى، في هيمنة النقد التصالحي، وغياب النقد التصادمي، القادر على تحريك المياه الراكدة، في مستنقع الكذب والنفاق والمشاكسة والتجني.
رؤية ـ أديب مخزوم