القارئة

 الملحق الثقافي:ميسون عيسى:

لا يهم إلى أين.. فهي حبيسة المنزل، لم يطرق أحد الباب منذ زمن، وهذه فرصة لتروي فضولها حول هذا البازار فقد سمعت أن كل من لديه أشياء قد ضاق بها منزله أو لم يعد يستخدمها يستطيع عرضها فيه فربما اشتراها من يحتاجها، فكرة جيدة أن تحصل على ما تحتاجه بسعر زهيد مقابل أن تخلص الآخر من متاع يضيق به منزله وقد يتلف مع الوقت من الإهمال، كنشاط مجتمعي بديل عن التجارة والتكسب من حاجات الناس، درج هذا التقليد في الحي الذي تقطنه في هذه المدينة الأوروبية الباردة معظم أيام السنة.
لا بأس أنهم يحترمون الأفكار الجيدة ويقيمون وزناً للعمل الجماعي المنظم رغم برودة مشاعرهم وعدم اكتراثهم بالآخر.
ضمّت ياقة معطفها وشدت قبعتها لتغطي كامل الرأس حتى لا تنال منها وخزات هذا الطقس الكئيب، وسارت متفحّصة الأغراض المعروضة بعض قطع الأثاث الخاصة بالأطفال وأغطية ملونة نظيفة وأدوات مطبخ بحالة جيدة وغيرها من الأدوات المنزلية، كانت قد وصلت الى نهاية السوق عندما تسمرت قدماها أمام رجل يسند لوحتين الى طاولة احداهما لوحة “ القارئة”، أحيطت باطار خشبي فاخر ومتقن، لمعت عيناها وسافرت بنظراتها الى ما وراء الجبال والبحر، الى حضن الشمس حيث مدينتها الحبيبة، وبيتهم المتدثر بعرائش الياسمين منزل العائلة المتزين بأغصان الزنبق وطرابين الحبق، الى شبابيكه التي لم تنس بعد ليالي التعب والسهر وأحلام النجاح، أولى خفقات الحب وأمنيات السفر، لكن ليس هذا السفر الذي يشبه خروج الروح من الجسد.
هذه القارئة.. ياااه… في لحظة أحسّت أنها تعانق فرداً من أفراد عائلتها..
ما كل هذا الحنين للوحة كانت تتصدر غرفة الجلوس في منزلها الحبيب؟ !!!
تلك المرأة الأنيقة الجالسة بهدوء تطالع في كتاب بانغماس وشغف، تعيدها إلى سكينة افتقدتها مذ غادرت ذاك البيت في مدينة لم تغادرها يوماً.
يا رب السموات.. ترفق بهذه الضلوع فقد أذابها الحنين، ضمّت اللوحة الى صدرها وتسارعت نبضات الفؤاد حد الجزع، فالروح أصبحت هشة بما يكفي، لتكسرها خفقة صغيرة كهذه تعيدها إلى ملامح تلك الزوايا الدافئة في حياتها الماضية.
عادت تتأمل اللوحة وكأنها عادت الى ذاتها، معلّمة الرسم اللطيفة، تتوق إلى ابتسامات طلابها البريئة وأيلول وأقلام التلوين ودفاتر الرسم، قبل أن تودعهم في لحظة ضعف وتنوي الرحيل بعد يوم عصيب قضوه معاً في قبو المدرسة الذي لم تتوقع يوماً ان تلوذ به خوفاً من قنابل الحقد، يومها لم تكن تملك من خيار سوى أن تستجمع قوتها في ابتسامة هادئة وتكمل لهم درس الرسم لتصرف انتباههم عمّا يدور في الخارج.
مثل الكثيرين اعتقدت أن الهروب هو الملاذ الآمن من تلك الحرب اللعينة.
وكأنما على غفلة سرق أحدهم عمرك عنوة وهرب في عتمة لا تنتهي قررت السفر، وعلى الرغم من ابتعادها مئات الأميال لا تعلم لم يزورها وجه تلميذها الصغير وهو يسأل برهبة: “آنسة رح نموت؟؟ “..
هل أصبحنا من الأنانية حد التفكير بالنجاة الفردية؟؟!!
وماذا بعد؟؟ لقد خبا ضجيج الحرب، لا صوت إلا للعصافير المغردة على نوافذ لا تعرفنا وبيوت ليست لنا ودروب لم تألفنا يوما..
وها نحن نتمسك بأصغر شيء يذكرنا بما تركناه وكأنه حلم بعيد المنال.
قاطعت هذه الهواجس وهي تدس يدها في جيب المعطف، لتفاجأ بأنها لا تحمل نقودا كافية لشراء اللوحة.
في ابتسامة ساخرة همست لنفسها:” نعم..افلاس روحي وإفلاس مادي!”، فهي لم تجد عملاً مناسباً بعد، وبمزيد من الأسى.. تسمرت عيناها بالقارئة من جديد، بينما اقتربت فتاة في مقتبل العمر ينسدل شعرها الأشقر من تحت قبعتها الحمراء، نحيلة تحمل مظلة منقوشة بعيون جميلة ورموش طويلة، تناولت اللوحة ودفعت ثمنها، ثم بمرح غامر وضعتها تحت ابطها وأخذت تشق طريقها بين الجموع برشاقة تحت المطر وهي تدندن لحناً فرنسياً سعيداً.
في طريق العودة الى المنزل كان المطر يغزر باستمرار، لم تدر هل هي الدموع أم حبات المطر تثقل أهدابها بهذا الشكل الموجع، أم هو الجواب الذي خانها مرة فقررت ألاّ يخونها بعد اليوم.
لن نموت يا صغيري، سنحيا.

التاريخ: الثلاثاء1-12-2020

رقم العدد :1022

 

آخر الأخبار
في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر