لم تنجح الدول الأوروبية يوماً في اختبارات الدفاع عن حق حرية التعبير، واحترام الرأي الآخر، أو في تطبيق أي من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يدعي الغرب أنه يحمل لواءها ويدافع عنها، والممارسات القمعية التي تنتهجها الحكومات الأوروبية داخل مجتمعاتها بحق كل من يعارض سياساتها الداخلية أو الخارجية تثبت زيف تلك الادعاءات، وتوكد أنها مجرد شعارات للاستهلاك السياسي والإعلامي، وفرنسا تقدم النموذج الصارخ لسياسة كم الأفواه وتقييد الحريات، التي يمارسها ذاك الغرب لمحاولة إخفاء نزعته العنصرية، فحرية الإعلام هنا، تتوقف تماماً عندما تتعارض مع السياسيات الغربية، التي تريد لهذا الإعلام أن يكون فقط آلة حرب وتضليل يخدم أجنداتها التخريبية في استهداف دول أخرى، على غرار ما يحصل في سورية اليوم.
كغيرها من الدول الأوروبية التي دعمت الإرهابيين في سورية، لطالما سخّرت فرنسا الإعلام لبث روايات مسيسة في إطار استهداف الشعب السوري، وسوقت إرهابيي “داعش والنصرة” على أنهم «معارضة»، وروجت لمسرحيات إرهابيي “الخوذ البيضاء” الكيميائية في سياق تبريرها للعدوان الأميركي والبريطاني والفرنسي على سورية قبل عامين، واحتفت بإرهابيين فبركوا الأكاذيب والصور لتزييف الحقائق، ولكن الأمر أصبح مختلفاً عندما شارك أحد مصوري ” الخوذ البيضاء” الذين تحتضنهم على أرضها بتغطية المظاهرات المنددة بقانون “الأمن الشامل” الذي ينتهك الحريات الإعلامية في فرنسا، ويعزز من سلطات الشرطة في قمع المتظاهرين المطالبين بأبسط الحقوق الإنسانية المشروعة.
فرنسا لطالما ادعت بأنها بلد “الحريات”، ولكنها تقدم كل يوم صورة حية على أنها الأكثر انتهاكاً لتلك الحريات، وممارسات شرطتها الوحشية بحق المتظاهرين والصحفيين والمعارضين لسياسة “الإليزيه” تجسد النفاق الأوروبي في احترام حقوق الإنسان، فالرئيس إيمانويل ماكرون أقام الدنيا ولم يقعدها قبل أسابيع قليلة دفاعاً عما سماه “حرية التعبير” على إثر تداعيات الرسوم المسيئة للإسلام، فأين هي حرية التعبير الآن عندما تعلق الأمر بكشف ممارسات شرطته العنصرية؟ ألا يعد ذلك ازدواجية فاضحة في المعايير؟ وتدل على حالة انفصام غربي في التعامل مع مفاهيم الحرية والديمقراطية، وتعكس في ذات الوقت حجم القيود الكثيرة التي تضعها الدول الأوروبية على حرية التعبير، وتؤكد أيضاً أن ثمة خطوطاً حمراء في هذا الشأن ممنوع على مواطنيها تجاوزها.
الازدواجية المفرطة التي تتعامل بها الحكومات الأوروبية مع شعارات الحرية تسقط القناع عن وجه الغرب القبيح، وتفضح الأساليب الملتوية لتلك الحكومات لجهة تعاطيها مع تلك الشعارات، فهي تستخدمها فقط كيافطة لشن الحروب والاعتداءات على الدول الأخرى، وتريد لإعلامها ألا يخرج عن إطار تشويه الحقائق في الدول التي تستهدفها -وسورية مثال- وهي تلهث دائماً لإبقاء الرأي العام العالمي في حالة غيبوبة لإخفاء تصرفاتها العنصرية بحق مواطنيها أولاً، والتعتيم على سياساتها العدوانية والاستعمارية ثانياً، ولكن كل أكاذيبها وادعاءاتها باتت عاجزة اليوم عن النفاذ حتى داخل مجتمعاتها.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر