لا أشك بالنوايا الطيبة للسيد وزير الزراعة الذي يريدُ (تقميحَ) البلاد بأسرها، وجعل العام 2021 القادم هو عام القمح، هذا شعار جميل، وطرح موضوعي جداً ولازم في الواقع ولاسيما في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها سورية والتي تحتاج إلى مجابهة جديّة لكل ما يحصل، وكم نأمل أن يتحقق هذا الشعار فعلاً وإلى أقصى حدٍّ ممكن، وإن نجحنا بجعل نصف الطموحات التي يستهدفها هذا الشعار مُحققة فإننا نضمن وبكل بساطة اكتفاءً ذاتياً من القمح، وقد نضطر لتصدير الفائض أيضاً.
غير أن النوايا وحدها لا تكفي، ومقولة إن فلاحنا وطني وبطبيعته لا يترك أرضه بدون زراعة، مقولة غير دقيقة، فلا خلاف بأنه وطني وبكل تأكيد، ولكنه بالنهاية قد يترك أرضه بدون زراعة لظروف مختلفة، فالتحفيز بالكلام والعواطف لن يجدي كثيراً – ربما ولا قليلاً – وكان من الأفضل لوزارة الزراعة – على ما نعتقد – أن تضع برنامج عملٍ يتضمن العديد من الإجراءات العملية والميدانية، وأن تزجّ بكامل طاقاتها وأذرعها من أجل تنفيذ هذا البرنامج، خصوصاً وأنها تمتلك الكثير من الطاقات والأذرع، ولا تحتاج إلى ابتكاراتٍ ولا تعيينات ولا استعانة من أحد، فوزارة الزراعة تمتلك في كل محافظة مديرية طويلة عريضة، مؤهلة لأن تكون ذراعاً قوياً يُعوّل عليه في تنفيذ البرنامج، ويتبع لكل مديرية من هذه المديريات وحدات إرشادية زراعية تُغطي مناطق البلاد بالكامل وصولاً إلى أصغر القرى.
كلنا يعلم والكثير منّا يرى أن هذه الوحدات الإرشادية ليست أكثر من هياكل إدارية تكاد تكون بلا عمل، والأنكى من ذلك أنها صارت في الآونة الأخيرة مجرد ملاذ لتعيينات أو مراكز عملٍ استثنائية، وتحولت إلى مراكز عملٍ لمن لا عمل له للعديد من المهجرين من مراكز عملهم الأساسية.
ولا بأس في ذلك، فكوادر هذه الوحدات مهما تضخّمت يمكن الاستفادة منها بالشأن الزراعي ولاسيما في مثل هذه الأحوال، من خلال تكليفهم بمراقبة الأراضي التي لا تُزرع – وهي كثيرة – ومن ثم التواصل مع أصحابها لإلزامهم بزراعتها إلزاماً، وليس بالحثّ والترجّي، وأن يكون هناك طريقة لزراعتها في حال عدم الاستجابة، فالأراضي التي لا تُزرع اليوم شاسعة، ولاسيما عند أصحاب الحيازات الضيقة.
ولوزارة الزراعة أذرع أخرى كان يمكن استثمارها بشكلٍ أفضل للمساهمة بتحقيق ذلك الشعار والهدف، كمراكز البحوث العلمية الزراعية، فضلاً عن إمكانية الاستفادة العملانية من اتحاد الفلاحين، ونقابة المهندسين الزراعيين، ونقابات عمال الزراعة.. وما إلى ذلك.
في حالات الحرب والحصار يجب أن تُزجّ كل الطاقات والقدرات والإمكانات من أجل تطبيق هكذا برامج وأمنيات عالية المستوى وذات تأثير بالغ على حياة المجتمع وقدرته على المجابهة ومواجهة آثار الحرب والحصار .. وبقوة.
على الملأ- علي محمود جديد