( اللانمطية تصبح مطلباً )

الإنسان ألوف.. يألف الأشياء، والأمور التي اعتاد عليها، وهو يتوارثها عبر أجياله فتتحول إلى نمط سلوك يمارسه، وغالباً دون أن يعيد النظر فيه.. والصورة النمطية التي تتشكل يتلقنها الأبناء عن الآباء فتكبر معهم حتى تترسخ لديهم، وهي تكتسب صفة التعميم عادة دون الأخذ بعين الاعتبار للاختلاف، ودون النظر إلى الفروق الفردية التي يمكن لها أن تكسر ذلك القالب الجامد.. ونحن نألف هذا الإرث الذي يسري بين أفراد المجتمع.

وقليل من الناس من يملك الجرأة التي تستوقفه لكي يقيّم الأمر من جديد، وهو يتطلع إلى حالة من التغيير، وبذلك يكون قد كسر طوق النمطية التي أسرت من سبقه.. وما نزعُ هذا الطوق إلا نوع من الإبداع الذي لا سابق له.

إلا أن التفكير النمطي يظل نقطة انطلاق لما بعده، وكأنه يرسي القواعد الأولى التي يكون البدء منها، أو كالتجربة التي تتراكم ليُصار إلى تجاوزها لما هو أكثر نضجاً منها.. فالصورة النمطية للتعليم مثلاً وقد ارتبطت في الأذهان بمكان واحد هو المدرسة، أو الجامعة مهدت لما جاء بعدها من تعليم عن بعد، ما جعلنا نقتنع بأنه يمكن تحقيق هذه المهمة خارج هذين المكانين.. وكذلك أصبح حال الترابط الأسري في التواصل عن بعد عندما لا يكون التواصل المباشر متاحاً.. وهذا ينطبق أيضاً على النظرة المجتمعية المجحفة غير المنصفة بحق كل صاحب احتياجات خاصة، واعتباره معوقاً بشكل ما، وكأننا نكرّس لفكرة تخلفه عنا بينما قد تكون لديه إمكانات أخرى لا نملكها نحن الأصحاء، وهو يتجاوزنا بها مما يستدعي بالتالي إعادة النظر، وعدم الاستسلام لنمطية التفكير حياله.

أما أطفال هذا القرن فإن كسر النمطية في تربيتهم قد أفادهم إذ جعلهم أكثر تفتحاً، وها هي الأجهزة الذكية التي أصبحوا يألفونها، ويحبون لمسها تساعدهم على نمو الفكر، وتشكيل الدماغ، وتنمية المهارات الحركية الدقيقة، والممارسة تؤدي إلى الإتقان بما لها من أثر تراكمي.. بينما تتشكل لديهم نظرة أوسع للعالم من خلال كم المدخلات من المعلومات وهي تصل إليهم عبر تلك الأجهزة، فهم إذاً قد خرجوا من القوالب التي نمى بها أسلافهم. وهم يعكسون بسلوكهم إمكانات العصر الجديد الذي هم فيه ينمون.

أما الإعلام بعمومه فقد ساعد فيما مضى على التكريس لممارسات معينة تجاه قضايا مختلفة، وهو الآن مطالب بتغيير تلك الصورة، أو بمنحها مساحة لتتجدد من داخلها على أسس مختلفة.. فنحن نتبع نمطية الأمور حتى تتشكل لدينا فكرة ثابتة عنها فلا نناقش، وإذا ما فعلنا يصبح الأمر وكأنه خارج عن المألوف طالما أن المجتمعات تعودت أن تنظر إلى أمر معين بطريقة ما قد لا يعود معها النظر إليه من وجهة نظر أخرى ممكناً.. إذ نكرر ما تعودنا عليه، ونحن نتبنى أفكاراً مسبقة عن طبيعة الأشياء.. حتى أن علم النفس، والاجتماع قد عالجا هذه الحالة من السلوك عند البشر عندما يبدو تصميم الفكرة الأولى غير قابل للنقاش، أو الإلغاء لاستبداله بتصميم آخر.. حتى أننا نقع أسرى لما هو سائد، أو كأننا لسنا بقادرين على التغيير، وكسر القالب الذي صُببنا به على مستوى المجتمعات، وهنا تكمن الصعوبة لأن هذا التغيير سيشمل كافة أفراد المجتمع، والمجتمعات الاستهلاكية قد كرّست لهذه النمطية، فأصبح سلوك الناس واحداً تجاه فكرة الاستهلاك.. والاتفاق على الشيء لا يعني بالضرورة صحته دوماً إذ يظل هناك ما يستدعي نظرة جديدة.. فالبرنامج التلفزيوني على سبيل المثال ليس ملزماً على الدوام بتصميم معين، وكذلك الإعلانات التجارية، وشارات البرامج، وأساليب التسويق، وغير ذلك، كالنظرة إلى العلاقات الإنسانية أيضاً إذ ليس بالضرورة أن يترافق كبر السن بالخرف.. لتصبح اللانمطية مطلباً.

ونحن في عصر كل يوم يطالعنا فيه جديد فقد اكسبتنا التكنولوجيا الجرأة على خلق سلوكيات جديدة غيرت كثيراً من المفاهيم، وأنماط السلوك، وعلاقات الناس بين بعضهم بعضاً.. وليس كسر النمطية يعني الخروج عن منظومة القيم المتعارف عليها، وإنما البقاء في دائرتها مع تصحيح الصورة عنها.. إذ لا يجوز أن ندير ظهورنا بالكامل لبعض الممارسات بحجة التطور، والتماشي مع متطلبات العصر، بحيث تهتز القيم المرافقة لها، وقد تنهار عند نقطة ما.

لقد ساعدت أوضاع الوقاية الصحية الراهنة التي أُجبرنا عليها على تغير بعض أنماط من تفكيرنا ما كانت لتنفك عقدتها لولا هذه الأوضاع الطارئة، ولعلها في المستقبل القريب ستدفعنا للتفكير خارج الصندوق، صندوق النمطية الذي حُبسنا به طويلاً، وقلما وجدنا من بيننا مَنْ يتمرد عليه حتى انغلق علينا، وعلى أفكارنا.. ولعل خروجنا منه الآن لسبب كان ضاراً فأصبح نافعاً قد يتفتح عن أفكار جديدة ما كانت لتخطر لنا على البال لو لم نفعل.. فالقمم الشاهقة للجبال التي لا سبيل لبلوغها قد نجد أنفسنا فجأة وقد وصلنا إليها إذا ما سقطت بنا الطائرة فوقها.

(إضاءات) ـ لينــــــا كيــــــــــلاني 

آخر الأخبار
غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا "The Voice Of America": سوريا تتعهد بالتخلص من إرث الأسد في الأسلحة الكيماوية فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا استفزاز جامعة دمشق تختتم امتحانات الفصل الأول حين نطرح سؤالاً مبهماً على الصغار تكلفة فطور رمضان تصل إلى 300 ألف ليرة لوجبة متواضعة