بريطانيا، تلك الدولة الأوروبية الغارقة بدعم الإرهاب في سورية، ربما هي الأكثر محاباة للسياسة الأميركية، هي تعتبر نفسها “تلميذة نجيبة” لتلك السياسة، وهذه العبارة قالها رئيس الوزراء البريطاني الحالي بوريس جونسون قبل نحو شهر مضى، والعالم أجمع خبر ماهية السياسة الأميركية والبريطانية القائمة على الغطرسة والهيمنة، ونشر الفوضى والإرهاب لتحقيق مصالحهما الاستعمارية، وهذا يبدو أكثر تجلياً من خلال الدعم اللا محدود للتنظيمات الإرهابية في سورية، وانخراطهما سوياً إلى جانب فرنسا في العدوان المباشر على سورية في سياق دعمهم للإرهاب، وهذا حصل خلال العدوان الثلاثي عام 2018.
اليوم يعيد ما يسمى بالمبعوث البريطاني إلى سورية جوناثان هارغريفز، التذكير بأن حكومته ماضية في سياستها الاستعمارية، ولن تتخلى عن مشروعها الإرهابي لاستهداف سورية وشعبها، هو بطبيعة الحال ليس بحاجة للتذكير بإستراتيجية بلاده الهدامة في هذا الشأن، فنهج بريطانيا الداعم للإرهابيين لم يتوقف يوماً، وهذا ما يمليه تاريخها الاستعماري البغيض، ولكن سلسلة الأكاذيب التي أطلقها بخصوص الوضع الإنساني في سورية تذكرنا بنفاق المبعوث الأميركي الكاذب جيمس جيفري، فكلاهما تعمد تشويه الحقائق للتعتيم على مسؤولية بلده المباشرة عن معاناة السوريين، والتي ترقى لمستوى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، لا تزال بريطانيا وأميركا ترتكبانها حتى الآن بحق الشعب السوري.
المسؤولون البريطانيون، كغيرهم من الأميركيين وحتى الأوروبيين، دائماً ما يؤكدون مدى انحدارهم الأخلاقي والسياسي في كل مناسبة يجترون فيها أكاذيبهم حول سورية، وهارغريفز تحدث عن كارثة إنسانية، ولكنه تعامى عن دور بلاده الرئيسي في صنع تلك الكارثة، وتجاهل التسريبات المتواترة التي تكشفها الصحافة البريطانية نفسها، وآخرها ما كشفته (التليغراف) قبل يومين فقط، حول انخراط الحكومة البريطانية المبكر بالحرب الإرهابية ضد سورية منذ عام 2011، ودعم المسؤولين البريطانيين للإرهابيين مادياً وإعلامياً وتسليحياً والتغطية على جرائمهم، وأيضاً إنشاء شبكات إعلامية على أنها “مستقلة” تروج للفكر المتطرف، وكذلك سبق لصحيفة ديلي تلغراف وموقع “ذا كناري” الإخباري، إضافة لكتاب بريطانيين أمثال مارك كورتيس أن قدموا أدلة ووثائق تدين حكومتهم بدعم الإرهابيين من خلال تورطها في تهريب شحنات الأسلحة لهم وتدريبهم، والعمل على تبرير جرائمهم وتلميع صورتهم، وتنظيمهم تحت مسمى “معارضة معتدلة”.
بريطانيا التي تتباكى على الوضع الإنساني، تتجاهل إرهابها الاقتصادي الذي تمارسه بحق السوريين، وبأن تماديها بفرض الحصار الجائر إلى جانب شركائها الأميركيين والأوروبيين في منظومة العدوان، هو ما يزيد من معاناة السوريين بسبب تصديهم للإرهاب المصدر غربياً لاستهدافهم، والحكومة البريطانية تتغافل أيضاً أنها سبب رئيسي في تهجير اللاجئين من بيوتهم وأرضهم بفعل دعمها لجرائم الإرهابيين، وأنها تمنع عودتهم لمواصلة المتاجرة الرخيصة في معاناتهم الإنسانية، وبأنها في مقدمة الدول التي عارضت المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين الذي عقد في دمشق الشهر الماضي ورفضت المشاركة فيه، بهدف الابتزاز السياسي الرخيص لإطالة أمد الأزمة، فمتى ستدرك بريطانيا أن استمرار دعمها للإرهابيين لن تجني من ورائه أي مكسب سياسي، وإنما تضيف بذلك المزيد من الجرائم إلى سجلها الاستعماري الأسود؟
البقعة الساخنة – ناصر منذر