الثورة أون لاين- علي الأحمد:
هي تحديات أكثر من أن تعد أو تحصى، تبدأ بمفاهيم التجديد والحداثة، والتراث والمعاصرة، وتنتهي بعلاقة هذا الموسيقي بعناصر الإبداع في هويته الموسيقية والثقافية، ومابين هذه البدايات والنهايات، يمتد جسر طويل من العوائق التي تكبل هذا الموسيقي، وتمنعه من تحقيق ولو جزء يسير من مشروعه الموسيقي الواعد.
-هذه العوائق المتعددة، بعضها موروث من القرن الماضي، وبعضها الآخر، فرضته الظروف والمتغيرات التي طرأت على هذا الفن في عصره الحديث ، وماتتبع ذلك، من تحولات عميقة في مسارات الكتابة والممارسة وتغير وانزياح، في مجالات التلقي السمع بصرية ، بما أبعد الأُذن المنصتة، وكرّس العين المبهورة، كوسيلة جديدة في التلقي، عبر صعود الصورة بماتحمله من دلالات خطابية ورسائل مشفرة، يعمد صناعها الى تفريغ هذا الفن، من مضامينه الروحية والوجدانية لصالح الفن السلعة والمنفعة المادية الرخيصة، بالطبع كل هذا الانهيار والتخفف من موروث هذا الفن، هو نتيجة منطقية لغياب أو لنقل بالأصح تغييب التربية الموسيقية الجمالية، والإكتفاء بمعروض ومنتوج هذا الفن المعاصر الذي يقيم صناعة ضخمة من النجومية العابرة للإبداع كما بطبيعة الحال صناعة الإقبال عليها، كمعيار جديد، للتحضر والعيش في كوكب العولمة بثقافته اليتيمة ولونه الموسيقي الأوحد الذي يعني فيما يعنيه، عمى ألوان حقيقي، وذلك حين يُغيّب خصوبة وإشراقات الألوان والتقاليد الموسيقية العظيمة لدى الشعوب .
نعم تحاصر الموسيقي العربي، تحديات كثيرة كما أسلفنا، لكن بالرغم من كل هذه الإحباطات، يحاول هذا الموسيقي وغيره ممن ينتمون الى هويتهم الثقافية القومية، من اجتراح الحلول المنشودة ، والمغامرة الموسيقية العقلانية، في عصر يتسيد فيه المال الفاسد المُفسد، كافة تفاصيل الحياة، هي بمثابة ثورة هادئة على أصنام هذه الشركات الإنتاجية وعلى متاحف القبح التي تنتشر كالطاعون الأسود، على امتداد جغرافية هذا الفن، ومن حسن الحظ أن هذا الموسيقي العربي يمتلك وعياً ذوقياً وجمالياً، إضافة الى معرفته الأكاديمية، للقيام بهذه المغامرة الثقافية التي من الممكن والمأمول، أن تحدث مساراً مغايراً، في مجالات التلقي وبالتالي تقول وبصوت عالٍ، لا للأذن الحسية، ولا للذائقة الوضيعة التي كرستها نتاجات العولمة ومابعدها، على حساب الذوق السليم والفن الأصيل الذي تجذر في تربة هذا الفن حين كانت رسالته الإنسانية الشغل الشاغل، والهاجس الحقيقي للموسيقي العربي عبر العصور والأزمنة، هذه المغامرة الموسيقية هي أفضل رد حقيقي، على هؤلاء الأدعياء والدجالين والمهرجين، الذي يتراقصون على حبال الفضاء العربي العتيد ،يفرضون حضورهم السمج وخوائهم الفني بفعل هذا المال الأسود على الجميع ، وهي أيضاً، التي ستكتب مستقبل جديد للموسيقى العربية، بفضل هؤلاء الفرسان الجدد، بعيداً عن السائد المعمم بقوة المال والإعلام الأصفر بكافة قنواته وأشكاله، يبقى أن تتوفر لهذه المغامرة أدوات مهمة من مكانات ومنصات إنتاجية وإعلامية، وبعض المال النظيف الذي يؤمن بأهمية هذا المسار والمشاريع التنويرية الثقافية. في مواجهة المشاريع التجارية الاستهلاكية التي تصرف عليها الملايين، في سبيل تكريس مفهوم التغريب والتقليد واستنساخ التجربة الغربية التجارية، في مؤامرة معلومة للجميع على الثقافة العربية وعلى التاريخ والهوية وإحداث قطيعة معرفية مع كل مايعود الى الشخصية الثقافية العربية، إنه الغزو الثقافي الذي أخذ أشكال وأقنعة جديدة في شتى مجالات الحياة، عبر غزو العقول وتدجين الإنسان العربي ليكون طائعاً متحضراً، يلبس اللباس الغربي، ويأكل الوجبات السريعة، ويستمع الى الأغاني والموسيقى الغربية يرقص على إيقاعات الرومبا والسامبا والفوكس تروت وووووالبقية تأتي.
وهذا ماعبر عنه المفكر الدكتور “علي شريعتي” في كتابه القيم “النباهة والاستحمار” حيث يشرح بإسهاب كيف يخطط الاستعمار الجديد للغزو الثقافي :” نحتاج الى جيل جديد يرفض الشكل القديم للحياة، وينكره، ذي فكر جديد، لكن، بالقدر المعتاد لا أكثر،. لأنه إذا ازداد تجدد فكره ذرة واحدة سيكون مضراً. والمطلوب أن يكون له طبع لطيف فلا يشرب الحليب، بل يشرب…. الكوكاكولا.