الثورة أون لاين-ناصر منذر:
سياسة حصار وتجويع السوريين، تشغل اليوم الحيز الأكبر ضمن استراتيجية العدوان الأميركية، ويبدو أنها باتت الرهان الوحيد الذي تبني عليه الولايات المتحدة أوهامها لتحقيق ما عجزت عنه في الإرهاب والعدوان، ومن هنا فإن إقرار إدارة ترامب حزمة جديدة من العقوبات قبيل رحيلها عن السلطة يأتي بمثابة جردة حساب تقدمها للإدارة القادمة لما وصل إليه “قيصر” الإرهابي، للبناء عليها واستكمال فصول هذه الحرب الاقتصادية، لا سيما وأن هذا الإجراء العنصري سبق وأن أجمع عليه كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ما يعني أنه فعل انتقام من قبل إدارتين أميركيتين متتاليتين” أوباما وترامب”، وكلتاهما فشلت بتحقيق أي هدف سياسي من وراء الحرب الإرهابية.
سلاح العقوبات يشكل ذروة التصعيد الإرهابي الأميركي، تجرب من خلاله الولايات المتحدة قدرتها على إمكانية اختراق جدار الصمود السوري، هي لم تنفك عن المحاولة، ولم يزل الفشل يلازمها بكل مراحل العدوان، جربت كل أسلحتها القذرة ( لم تتوقف عن دعم الإرهاب وحماية متزعميه، آزرت ” داعش” وبقية التنظيمات الإرهابية بعدوان عسكري مباشر، احتلت جزءا من الأرض، دمرت مدينة الرقة وسوتها بالأرض، و دمر طيرانها الحربي البنى التحتية في الكثير من المناطق، سرقت النفط، وحرقت المحاصيل الزراعية، وتتدرج بإرهابها الاقتصادي، وتحارب الحل السياسي، وحولت المنظمات والهيئات الأممية إلى منصات عدوان إضافية، وتجند إعلامها المضلل لبث الأكاذيب وتشويه الحقائق) لكنها عجزت عن انتزاع أي مكسب سياسي يصب في مصلحة المشروع الصهيو-أميركي المعد للمنطقة ككل.
تدرج الولايات المتحدة بعقوباتها الجائرة، هو من حيث النتيجة رد انتقامي على الانتصارات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب، وتحطيمه العديد من الأدوات والأذرع الإرهابية التي ترعاها واشنطن تحت مسميات مختلفة، الأمر الذي أفقدها الكثير من أوراق الابتزاز والضغط العسكري، وهي باتت تدرك حقيقة أن وجودها الاحتلالي على الأرض لن يدوم طويلاً، ودعمها المتواصل للإرهابيين، ولميليشياتها العميلة “قسد” لن يسعفها في تحقيق أجنداتها الاستعمارية على المدى الطويل، ولذلك تصعد حدة إرهابها الاقتصادي لمنع الدولة السورية من الاستثمار في انتصاراتها العسكرية، ووضع العراقيل أمام عجلة إعادة الإعمار، للحيلولة دون تعافيها من آثار ما خلفته الحرب من دمار وتخريب لمنشآتها ومصانعها الانتاجية، هذا من ناحية، وللحفاظ على ما تبقى من بؤر إرهابيه في إدلب ومنطقة الجزيرة والتنف من ناحية أخرى، بهدف إطالة أمد الأزمة، ومنع أي حل سياسي لا يتوافق مع مصلحة المشروع الأميركي والصهيوني.
حزمة العقوبات الجديدة، هي امتداد لسابقاتها، وتعطي مدلولاً إضافياً على الفشل والعجز الأميركي، والشعب السوري اعتاد على مثل هذه البلطجة، هي لا شك تزيد من معاناته وتؤثر في تفاصيل حياته المعيشية، ولكنها أيضاً ترسخ قناعاته بخياره المقاوم، وبأن ثمن هذا الخيار مهما ارتفع يبقى أقل تكلفة بكثير من خيار الخضوع والاستسلام، الذي لا يولد سوى المزيد من الضغوط المتصاعدة، حيث أطماع الأعداء لا تتوقف عند أي حدود، وحال المستسلمين الخانعين من الأنظمة المستعربة خير شاهد ودليل، فخضوعهم الأعمى جرد دولهم من سيادتها وقرارها المستقل، والأخطر أنهم تجردوا من هوية انتمائهم.