الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
مما لا شك فيه أن الدراما التلفزيونية التي تم إنتاجها داخل سورية لم تكن بأفضل حالاتها خلال العام الحالي الذي نعيش أيامه الأخيرة ، لا بل ربما كانت هذه السنة هي الأصعب والأقسى وجاءت أشبه بالسير بين الألغام ، فبعد الانفراج الذي تبدى في العام الماضي عبر ما عرض في رمضان عادت الطموحات وتقلصت عندما عّرض النتاج الدرامي هذا العام على الشاشة ، ويمكن ضمن هذا الإطار تقسيم العام الحالي إلى قسمين ، قبل نهاية شهر رمضان وبعده . خاصة أن (بعده) ربما يحمل بعض الآمال بموسم درامي مختلف من خلال التحضيرات والإرهاصات الأولية للموسم القادم ، ولكن لنقف أولاً وقفة تأمل فيما تم إنتاجه وعرضه .
رغم الشح الكبير للأعمال إلا أن خارطة العرض على الشاشات كان الرافع لها مسلسلات قليلة جداً على رأسها مسلسل (حارس القدس) إنتاج وزارة الإعلام ـ المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني خاصة أنه تناول سيرة مناضل استثنائي هو المطران ايلاريون كبوجي ، كما حقق مسلسل (مقابلة مع السيد آدم) مكانة متقدمة لدى الجمهور لما اعتمده من تشويق وإثارة في أحداثه البوليسية ،
وكالعادة كان هناك حضور للأعمال الدرامية التي تدور ضمن إطار البيئة الشامية عير (سوق الحرير) (بروكار) ، أما في الدراما الاجتماعية فتم عرض (يوماً ما) ، ولم تغب الأعمال ذات الطابع الاجتماعي الرومانسي عن الموسم الدرامي ، ولكن الملاحظ غياب الأعمال التاريخية ربما لأنها تحتاج ميزانيات ضخمة وتعدد أماكن التصوير ، أما ضمن إطار الكوميديا فكان هناك شح واضح فيما وجاء مستواها متفاوتاً بين المقبول والمتدني ، كما تم تقديم أعمال سبق أن عرضت على محطات مشفرة أو عبر الانترنيت أو كانت مؤجلة ، منها (هواجس عابرة ، أحلى الأيام ، نبض ..) .
وشكّل توقف التصوير بسبب الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا حرصاً على سلامة الجميع عاملاً أساسياً في استعجال البعض لتصوير أعمالهم أو خروج أعمال برمتها من السباق الرمضاني ، وترك ذلك أثره الذي انعكس على الأعمال بحد ذاتها وآلية عرضها ، حتى إن مسلسلات خرجت من السباق الرمضاني وعرضت على المشفر أو عبر أقنية أخرى ، منها (شارع شيكاغو) و (بورتريه) .
ساد مجموعة من السمات الكارثية عددا من الأعمال ، على رأسها ضعف بنية النص واللجوء إلى الافتعال والثرثرة على صعيدي الشكل والمضمون ، ووصل الاستسهال حد الوقوع في مطب البديهيات والأخطاء الفادحة خاصة في أعمال عرّفت عن نفسها بأنها كوميدية فجاء قسم منها ضحلاً إلى حد السذاجة على الصعيد الفني والتقني والمكياج ناهيك عن الحوار والإخراج ، وبدت أعمال وكأنها تستجدي المُشاهد للمتابعة بأي ثمن ، لا بل وصل الأمر في أعمال إلى إصابتها بضياع البوصلة الذي تبدى في التفاصيل المرتبكة كما في حال اللهجة ، فهناك شخصيات تحدثت بلهجات مختلفة عن السائد ولكن دون ضوابط أو معرفة وإدراك بآلية لفظ الكلمات والعبارات ونغمتها أثناء اللفظ ضمن إطار هذه اللهجة أو تلك مما انعكس سلباً على هوية العمل ككل ، أما على الصعيد الإنتاجي بشكل عام فنلحظ أن بعض منصات العرض على الإنترنت كانت شريكاً في الإنتاج مما يدل بأن آليات عرض مختلفة في المستقبل قد تسحب البساط رويداً رويداً من الشاشة الصغيرة.
ما سبق وتم الحديث عنه كان للأعمال التي عرضت ، ولكن بعد شهر رمضان انطلقت عجلة التصوير مجدداً تمهيداً للموسم الدرامي القادم ، ويبدو أن المؤشرات الأولية تشي بأن الصورة قد تتغير باتجاه إيجابي من حيث الكم على أقل تقدير ، ولكن الأمل أن يمتد التغيير ليطال المضمون والصورة ، ومما لا شك فيه أن الموسم القادم يحمل حالة من التنوع أوسع مما كان الأمر عليه في السنة الماضية ، وإن كان هناك ازدياد في الأعمال التي تدور في البيئة الشامية لما تتمتع به من حضور على الشاشات العربية وقد يصل عددها إلى ستة مسلسلات ، ومن معالم الموسم القادم اللجوء إلى العشاريات والسباعيات ، كما أن الدراما البوليسية سيكون لها حضور هام على الشاشة إضافة إلى أعمال تحكي عن الحب والخيانة ، في حين تتصدى المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني لعدة أعمال منها ما يحكي عن ملاحم وبطولات الجيش العربي السوري ، ومنها ما يعود إلى الدراما التي تتحدث عن العائلة ودفئها وعن مشكلات الشباب .
خلال العام الحالي غيب الموت عدداً من الفنانين والمبدعين الذين أثروا الحراك الدرامي في سورية ، ومنهم المخرج علاء الدين كوكش ، عبد الرحمن أبو القاسم ، محسن عباس ، هلال خوري ، طوني موسى ، نبيل الحلواني ، مأمون الفرخ ، محمود بلال ، هيام طعمة ، وضمن هذا الإطار نذكر أيضاً الفنان السوداني ياسر عبد اللطيف الذي عمل في سورية لمدة طويلة ، أما على الصعيد الإذاعي فقد رحل عنا المخرج الكبير مروان قنوع .