تشير الأرقام الصادرة عن ما يسمى مجموعة العشرين وهي الدول الأكثر إنتاجاً وقوة اقتصادية في العالم عن أن الإنسان هو المنتج الأول، وأن فائض القوة المعرفية والتقنية هو ركيزة الاقتصاد والتنمية، فالإنسان المبدع والمنتج هو الثروة الحقيقية التي لا تنضب فالأرقام الصادرة عن المؤسسات المتخصصة بقياس ورصد الناتج المحلي الإجمالي الدولي وفق توزعه على قارات العالم تشير إلى أن حجم الناتج الإجمالي العالمي للعام 2020 يقترب من مائة تريليون دولار، وتشكل حصة مجموعة العشرين منه ما يعادل 87 بالمئة منه أما باقي حصة دول العالم وهي التي يزيد عددها على 180 دولة لا يتجاوز 13 بالمئة منه، وهذا يعكس مفارقة عجيبة ويطرح العديد من الأسئلة حول مستوى التفاوت الحاصل بين القوة الإنتاجية والاقتصادية لهذه الدول.
إن تحليل المعطى الرقمي ومكونات اقتصاد تلك الدول لجهة الوقوف على عوامل قوة اقتصاداتها من الأهمية بمكان، كونها تضع بين أيدي راسمي الاستراتيجيات والتصميم الاقتصادي الوطني مؤشرات وعناصر يمكن الاعتماد عليها للنهوض باقتصاديات تلك الدول الساعية للتنمية، والالتحاق بركب قطار السباق الحضاري ولعل ما يجب الوقوف عنده في تحليل تلك الخريطة العالمية أن أغلب اقتصاديات تلك الدول لا تستند بشكل أساسي إلى الموارد والثروات الباطنية بدليل خلو المجموعة من أي دولة من دول أوبك باستثناء المملكة العربية السعودية لا بل أكثرها مستوردة للنفط، ما يعني أن قوة الاقتصاديات ناتجة عن ثروة عقلية تقانية معرفية تستثمر اقتصادياً عبر الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة وامتلاك صناعات تحويلية والاعتماد على التصدير بشكل أساسي، إلى جانب جذب الاستثمارات الخارجية وتوظيفه في مشاريع إنتاجية محلية.
إن قراءة اللوحة الاقتصادية العالمية وتحليلها يوجب على دولنا العربية وشبيهاتها إعادة النظر في تصميماتها الاقتصادية واستراتيجياتها التنموية، فأي ثروة مهما كانت من دون ترشيد واستثمار صحيح تتحول إلى وبال على المجتمع خاصة إن لم تكن قاعدة ومصدراً ثراً للإنتاج والعنصر الآخر، الذي يستدعي الوقوف عنده هو تركيز أغلب الدول المشار إليها على اقتصاد المعرفة والإنفاق العالي على التعليم بمستوياته ومراحله المختلفة، حيث يشكل أولوية في استراتيجياتها التنموية مضافاً إليه البحث العلمي وربط التعليم بحاجات السوق المحلية والعالمية يعتبر المنطلق والقاعدة لأي خطط تنموية طموحة وواعدة، يضاف إلى ذلك حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية بما في ذلك الدين الاستثماري ودوره في تحريك عجلة الإنتاج وتحقيق أرقام عالية في الناتج المحلي، وهنا تصبح مسألة فتح الآفاق العريضة والمناخات القانونية والتشريعية والبيئة المطمئنة للاستثمار مسألة غاية في الأهمية، يضاف إلى ذلك الدور الوطني للقطاعات المنتجة والمستثمرة بعيداً عن توصيفها الأيديولوجي ففي العملية الاقتصادية ليس العنصر الحاسم شكل الملكية وإنما كونها تجارة ناجحة وكفؤة تساهم بشكل حقيقي في ريادة وقيادة عملية تنمية شاملة تنعكس بشكل حاسم على الدخلين الفردي والعام.
إضاءات- د . خلف المفتاح