سقوط “المقدّسات” الأميركية!

سيبقى يوم الأربعاء الماضي نقطة مفصلية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية باعتباره حدثاً يمثل انقلاباً على الدستور وعلى المفاهيم والقيم الديموقراطية في بلد قرر أن يصبغ نفسه بهذه الصفة ليكون نموذجاً لنظام ليبرالي بنمط محدد يقدمه للعالم، ويقدم نفسه هو العالم أيضاً باعتباره يمثل قمة الليبرالية، مهما اعتبرنا ذلك كذباً وتلفيقاً وتزويراً للحقيقة المشددة والمتسلطة بجوهر نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية.
فهذا النظام الأميركي الطاغية عمل على تقديم نماذج لرؤساء للجمهورية بمقاييس ونماذج مختلفة، وصولاً إلى تقديم نموذج دونالد ترامب كشخصية غير مسبوقة في التربع على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، فقد عمل ترامب خلال السنوات الأربع الماضية على توتير العلاقات الدولية في شتى بقاع المعمورة وأدخل بلاده في صراعات مستعادة كان قد تم حلها وتجاوزها ليعيد بذلك العالم لحالة استقطاب واحتمالات لمواجهات عسكرية واقتصادية وفكرية، تضع العلاقات الدولية على حواف انفجارات ومواجهات يقودها هواة ومتهورون ومغامرون ما زالوا يعيشون أحلام الفترات الاستعمارية المترافقة مع الكشوفات الجغرافية وما رافقها من قتل وإجرام وسرقة للثروات وسيطرة على المقدرات وتحكم بمصائر الغير.
ببساطة يمكن توصيف ما حصل بأنه سلوك إجرامي يقوده زعيم عصابة استغل موقع الرئاسة ليقود انقلاباً مستخدماً أدوات غير مشروعة في محاولة جنونية للبقاء في البيت الأبيض خلافاً لنتائج الانتخابات وخلافا لكل الإجراءات القانونية والقضائية التي جرت تحت مراقبة مشددة من جانب الحكومة والإعلام والسلطات القضائية المختصة، فجاءت الدعوة لتحريك الغوغاء من المتعصبين والعنصريين ليتجاوزوا الحدود المرسومة أمنياً قبل أي اعتبارات أخرى، فكان العدوان على مبنى الكونغرس تعبيراً عن إسقاط السلطة التشريعية باعتبارها رأس السلطات في بلد الديمقراطية المزعومة، ولكن هل جاءت المواقف وردود الفعل منسجمة مع هوى الرئيس ترامب وجنوحه للبقاء كحاكم للولايات المتحدة بالقوة وفق هواه، بذريعة أنه الأقوى، وأنه من أعطى الاقتصاد الأميركي دعماً وزاد معدلات الدخل وخفض نسبة البطالة ووضع بلاده على حافة الحرب مع إيران والصين وكوريا الديمقراطية وانسحب من اتفاقيات دولية لخفض معدلات التسلح فضلاً عن الانسحاب الأحادي الجانب من الاتفاق النووي الدولي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟.
هناك بعض السياسيين من الحزب الجمهوري وقفوا إلى جانب ترامب ظناً منهم أنهم يرثون شعبية واسعة حققها ترامب بمواقفه العنصرية، متناسين أن الأموال التي أدخلها ترامب في عجلة الاقتصاد الأميركي لم تنعكس إلا على نسبة ضئيلة تمثل أغنياء الاقتصاد، فيما لم تنعكس على الشعب عامة، فازدادت ضغوط المعيشة اليومية خلافاً للوعود الانتخابية، بينما ارتفعت معدلات الحقد والكراهية والعنصرية، الأمر الذي أحدث مواقف متناقضة بين المسؤولين الأميركيين داخل الحزب الجمهوري ذاته، وداخل إدارة ترامب، فرأينا استقالات لوزراء وقضاة مستشارين ومسؤولي إدارات عليا رفضاً لذلك السلوك الشائن، في ظل مطالبات باستقالة ترامب ودعوات لعزله باعتباره غير مؤهل لقيادة البلاد.
وبغض النظر عما يمكن أن يحدث خلال الأيام الباقية حتى العشرين من الشهر الجاري، نتساءل هل يمكن قياس ما جرى في الولايات المتحدة الأميركية، وفي واشنطن وحدها من اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة ومقارنته مع ما جرى في كل من سورية والعر.اق ولبنان ومصر وتونس وليبيا واليمن وإيران وغيرها من دعم أميركي واضح ومعلن للمجموعات التي تقوم بالاعتداء على المؤسسات الحكومية والممتلكات العامة والخاصة وينتهي بها المطاف بالقيام بأعمال إرهابية كبرى، واتخاذ موقف يماثل الموقف من تحرك بضع عشرات من غوغاء اقتحموا مباني الكونغرس لساعات معدودة، فيأتي الجواب بضرورة المحاسبة القوية دون الحديث عن القتلى والجرحى الذين سقطوا على أيدي عناصر الشرطة، فهل استخدام الشرطة لواجبها في الدفاع عن المؤسسات الحكومية مسموح في الولايات المتحدة وحدها، وغير مسموح في بلادنا؟.
وهل تبدو ثنائية المكاييل أبلغ مما نرى؟!.
إنها الصورة الكاذبة للديموقراطية والزيف في الإخراج الإعلامي للحدث، لكن الصورة المؤكدة أن عدوى الافتراء والكذب لتدمير بلادنا امتدت إلى الداخل الأميركي وربما تطول غيرها قريباً، فسلاح التخريب الذي استخدم ضدنا ينعكس سلبا عليهم وإن كان يحتاج حيناً ليبدو محققاً لنتائج واضحة، فإن شيئاً غريباً ومستحدثاً حصل داخل الولايات المتحدة الأميركية، تمثل بإسقاط مقدسات لم يكن مواطن يجرؤ على الاقتراب منها، وقد حصل.
وها نحن ننتظر انعكاسات ذلك، قد تستغرق زمناً لكنها ستكون بنتائج وبالية وارتدادات سلبية كبيرة في نهاية المطاف.

معاً على الطريق – مصطفى المقداد 

آخر الأخبار
قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان