الثورة أون لاين- ليندا إبراهيم:
مع هذا الرَّحيل المتعدد ، والغياب المتتالي ، لقامات وأيقونات وشخصيات كانت شموساً وأقماراً شكلت ذاكراتنا وكينونتنا في الحب والفن والجمال والحضارة ، منذُ أن عرفنا كيف نفتقد جسداً من شعرٍ وروحاً من عطر كــ “نزار” ، أو نبياً يمشي ويعيشُ ويتكلم ، ينذر ويبشر ويبلسم ويتألم ، في زمان لم يعد ثمة أنبياء فيه كـ”جبران خليل جبران” ، بل كيف نفتقد صرخة بقيت في الظل كـ “سنية صالح” بكل عبقريتها ومأساتها الإنسانية ، ولم ننتبه إلى مكانتها الشعرية الحقيقية إلا بعد عقود ، أو كيف نلملم عن ثوب الخزي العربي في مرحلة هي أوضح ما يكون بدء الخزي جهاراً ، كيف نلملم سهام “عدوان” ، وسيف رحيله الحارق عن رقاب الضمائر كيلا تذبحها شفرة الحقيقة ، أو سوط العقل الفكر الحق الحقيقة لـ “سعد الله ونوس” ، بل ومع رحيل ثالث أقمار الرحابنة ، الذين أوقدوا لنا ظلمات القرن المنصرم بقناديل الموسيقا والجمال والمحبة وطهر الأوطان ، هؤلاء وغيرهم سابقون ولاحقون افتقدناهم ولا نزال ، من الذين شكلوا أرواحنا مدماكاً مدماكاً ستبقى قممها شاخصة إلى الشمس بنور العقل والجمال ، أفول نجوم نتذكر معها أن لا يزال ثمة نجوم بل أقمار بل شموس لا تنسى إن غابت لكننا لن نفيها حق كبريائها حتى بعد أن ترحل .
مع هذا الغياب الموجع الذي يشدنا من شغاف ضمائرنا ، لكل شيء حولنا ولكل قيمة تسقط أو تختفي من قيمنا الإنسانية على وقع هذا العصر المخيف الموحش المقفر من ملامح الخير والجمال ، بل وإن قلنا الشيطاني بلبوسه المجنون لا نكون نجانب الحقيقة ، رحيل نشعر معه ببقية ألم في هذا الزمن الذي لم يبق لنا ولو ثمالة من شعور بالحقيقة والجمال .
هو أمر كانسحاب نسغ الضوء من ذبالة القنديل … كتراجع اليخضور في قلب الورد … هو شيء يشبه أي شيء آخذ في اليباس معلناً أن لا عوض عن أي فقدان ما لم ننتبه لوجودنا ونعيد خلق أبجديتنا الوجودية من جديد .
مع هذا الغياب بتنا نستشعر مواطن القيم وتحديداً عند من يجب أن يحملوها ويتمثلوها وهم طبقة المثقفين على امتداد شرائحهم وعمق إبداعاتهم واختلاف مشارب هذه الإبداعات …
لا شيء يشبه هذا العصر سوانا …
مفتأتون… مفتئتون… متخالفون غيرُ منسجمين على أساسياتنا في الهوية والثقافة والحضارة …
متنابذون مشتتو الأهواء والآراء حول قيمة القيم ومهوى الضمائر الذي اسمه “الوطن..”