لم تحظَ وزارة النفط بالتفهّم المُرتجى الذي عوّلت عليه، وقدّمت لنا الشكر من أجله سلفاً عندما صارحتْ الناس مع بداية أزمة البنزين والمازوت الأخيرة، وأوضحت على الملأ أنه نتيجة تأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها بسبب العقوبات والحصار الأميركي الجائر ضد بلدنا، وبهدف الاستمرار في تأمين حاجات المواطنين وإدارة المخزون المتوفر وفق أفضل شكل ممكن؛ فقد تم وبشكل مؤقت تخفيض كميات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة ١٧% وكميات المازوت بنسبة ٢٤% لحين وصول التوريدات الجديدة التي يتوقع أن تصل قريباً وبما يتيح معالجة هذا الأمر بشكل كامل.
وختمت الوزارة بيانها بعبارة ( شاكرين تفهمكم ) ولكن ما الذي حصل ..؟.
طبعاً انبرى الكثير من الناس إلى التذمّر الفوري، ورفض أي تبرير معتبرين أن الحصار ليس أكثر من شمّاعة، والكثيرون قالوا ( لن نتفهّم ) معتبرين – بذكاء يحسبونه فطرياً – أن هذه المسرحية باتت مفهومة فهي مقدمة لرفع أسعار البنزين وسوء تخطيط وسوء تصرف .. وإلى ما هنالك من الاتهامات التي يمكننا أن نسمعها من كثيرين ونراها على صفحات السوشيال ميديا بكثافة.
لنفترض أن ردود الأفعال صحيحة .. وأن الحصار غير مؤثّر ولا أحد يُعرقل وصول الإمدادات إلينا، وأن أميركا تمازحنا، فهي تدّعي الحصار وتوجيه عقوبات صارمة لكل من يساهم بإيصال الإمدادات إلينا، في حين هي وزبانيتها يفسحون لنا الطريق، ويخصصون من يساعدنا بمكافآت، فقلبهم علينا، وليس الحديث عن الحصار أكثر من شمّاعة فعلاً.
لنفترض ذلك .. وقد تلقينا إنذاراً مسبقاً من أصحاب الشأن بأن ثمة تأخير حاصل ( رغم كل المساعدات والدعم الأميركي ) وندرك جيداً أنه كلام جدّي مهما تكن التفسيرات، فهل تصرّفنا بشكلٍ صحيح وبما يتناسب مع الإنذار ..؟ لا أبداً .. فلكل إنذار إجراءات مناسبة، فعندما يأتي الشتاء – مثلاً – هذا يعني إنذار مسبق لنا بأن هناك برداً وأمطاراً وبالتالي لا يجوز أن أستعد لارتداء ملابس صيفية متجاهلاً البرد، ولا أن أقوم ( بسيران ) في الطبيعة متجاهلاً المطر، غير أننا في تعاطينا مع إنذار وزارة النفط كأننا فعلنا ذلك ببساطة، فبدلاً من اختصار أي تحرك لا لزوم له للمساهمة بالتخفيف من استهلاك الوقود، كنا نرى شوارع دمشق مزدحمة بالسيارات بشكل كبير، وتعاطى الكثيرون مع المسألة بهلع لا لزوم له فازداد الازدحام على محطات الوقود، وكأن البنزين والمازوت باتت مواد شبه مقطوعة على الرغم من أن الكلام كان واضحاً بأن التخفيض لا يتعدى نسبة معينة لكلا المادتين..!.
وفي تلك الفترة اضطررت للذهاب إلى سوق الحميدية فكان يغص بالناس لدرجة أنني لم أستطع المرور به إلا بصعوبة، وهذه الحركة المكثّفة تعني بالنهاية ضغطاً حقيقياً على استهلاك الوقود لأن أغلب الذين في الأسواق سيستخدمون وسائط النقل للمجيء والعودة.
الالتزام الطوعي والواعي في مثل هذه الحالات يساهم فعلياً بعبور الأزمات بشكل سلس ودون مصاعب، غير أننا تعودنا على ( الرّدح ) على ما يبدو أكثر مما ينبغي لإخلاء ساحتنا من المسؤولية ولكنها لن تخلو، فالكل مسؤول في مثل هذه الظروف، ومهما كنا مؤمنين بأن ملابس الصيف تليق بنا شتاء فإن هذا الإيمان لن يهزم البرد أبداً.
على الملأ- علي محمود جديد