الملحق الثقافي:د. عدنان عويّد:
الأخلاق في المفهوم، هي مجموعة القيم الفكرية والسلوكية التي تمثل الجوهر الإنساني في مرحلة تاريخية محدّدة، إيجابية كانت أم سلبية، وهي في هذا السياق مفتوحة على المطلق الإنساني. أي هي تدخل في كلّ مسامات حياة الإنسان، ولا تقتصر على قضية أو عدّة قضايا في حياته.
إذاً: إن الأخلاق وفقاً لهذا المُعطى، هي “نسبية” وليست مطلقة، ونسبيّتها تفرضها طبيعة وجودها الاجتماعي التاريخي، الذي يكوّنها أو ينتجها، وعلى اعتبار أن الوجود الإنساني في حالة تطور وتبدّل مستمرّين، فالأخلاق في حالة تطوّر وتبدّل دائمين أيضاً، على الرغم من أن حالتي التطور والتبدّل الأخلاقي، تظلّا أبطأ بكثيرٍ من تطور وتبدّل الوجود الاجتماعي ذاته الذي أنتج الأخلاق، كون الأخلاق تدخل في النسيج العام لوعي الإنسان وبيئته النفسية، وبالتالي هذا ما يجعلها تتمترس في هذا الوعي، وهذه البيئة النفسية، لفتراتٍ زمنية أطول، ويجعلها تتأخر كثيراً في حركتها، عن حركة الوجود الاجتماعي الذي أنتجها.
أمثلة التاريخ تعطينا أدلّة كثيرة، عن تطوّر وتبدّل الأخلاق من جهة، وتتمرس بعضها في مواجهة حالات التطور والتبدّل التي تصيب الوجود الإنساني من جهة ثانية، وخاصة تلك القيم الأخلاقية التي أخذت بُعداً “معيارياً” لدى أفراد المجتمع بسبب طبيعتها العقيدية أو الإيديولوجية، فعلى سبيل المثال، التطور العلمي التكنولوجي، أحدث تغيرات كثيرة في الوجود الاجتماعي بالضرورة، ومع ذلك لم تزل هناك عقول، ترفض ما حققه هذا العلم من تطورٍ وتبدّلٍ في المجتمع، وأحياناً تعتبره بعض العقول المغلقة، كفراً وزندقة، كونه لا يتّفق مع القيم العقيدية المتجذِّرة خطأ في عقول هؤلاء، والتي على أساسها قُتل “كوبرنيك” مثلاً.
إن الأخلاق، عندما تُغلق في دلالاتها وسماتها وخصائصها، ستتحول إلى قوة مادية ومعنوية تحارب التقدم والتطور، ممثّلة بحواملها الاجتماعية، التي ستعتبر كلّ من يخرج عنها هنا، شاذاً أو زنديقاً أو كافراً، أو منحرفاً أو خارجاً عن السرب. بتعبير آخر، كل تجديد لدى العقيدة الجامدة، دينية كانت أم وضعية، يعتبر بدعة أو انحرافاً، وهذا ما تقوم به اليوم القوى الإسلامية المنمذجة أخلاقياً، والمُمثَّلة بما يسمى “داعش”.
إن دعاة القيم الأخلاقية المعيارية، تصبح لديهم هذه القيم “عتلة” أو وسيلة يقوم على التمسك بها أو تركها، نهوض الفرد والمجتمع والحضارة، أو سقوطهم.
أما الذين يتمسكون بالأخلاق كمسألة نسبية، فهي عندهم برأيي: مجموعة القيم الإيجابية الفكرية والسلوكية التي تمثل الجوهر الإنساني في مرحلة تاريخية محدّدة، وبالتالي هي لا تشكّل العامل الوحيد الذي تتحقّق على أساس التمسك به أو تركه، النهضة أو السقوط، فهناك عوامل كثيرة تساهم في تحقيق النهضة أو السقوط للفرد أو المجتمع أو الحضارة، وهي العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية أيضاً.
ملاك القول: إن قيم الفضيلة تُعتبر هنا كصخرة في قمة جبل، لن تسقط على الأرض مالم نقوم بإزالة عوامل وجودها، أو ثباتها هناك. عند ذلك سنراها أمامنا على الأرض، يمارسها الناس ويعيدون عبرها جوهر إنسانيتهم التي فقدوها عبر التاريخ.
التاريخ: الثلاثاء19-1-2021
رقم العدد :1029