الثورة أون لاين- حسين صقر:
بعيدا عن فوائد مشاهدتها وتأثيرها الكبير في تنمية عقل الطفل، وتوسيع أفق تفكيره، لكن لا يخفى على أحد أضرار بعض تلك الأفلام والمسلسلات الكرتونية التي تكاد تسرق الأطفال بطريقة خاطفة لمشاهدتها، حيث يصل بهم الأمر حد الإدمان في أحيان كثيرة، وتزداد خطورة تلك الأفلام والبرامج، عندما تكون موجهة ضد مصلحة الطفل بشكل خفي وعلني ،وذلك في ظل الغزو الفضائي والإعلامي ووسائل التواصل المتنوعة .
وهنا يكمن الدور الكبير للأهل، حيث يحتم عليهم الواجب وبما يسمح لهم وقتهم مشاهدة تلك الأفلام مع أطفالهم ليعلموا إذا كانت تناسب وعيهم وسنوات عمرهم ، وتساهم بشكل إيجابي في تنمية معارفهم وتوسيع مداركهم.
ولكن إذا ما دققنا كثيراً في بعض البرامج الغربية والأميركية الموجهة حصراً للأطفال العرب، والتي يبثونها على قنواتهم باللغة العربية نجد أن هدفها سلبي بحت، حيث تحمل بين ثناياها أفكارا و قضايا ملتبسة أهمها، التأثير سلبا على الذكاء، و زيادة العنف، والحرص على تعليمه ثقافات مختلفة، ودفعه للإدمان على المشاهدة، من خلال تقديم بعض العناوين التي ترغبه بالواقع الغربي وتجعله ينفصل تماماً عن واقعه الراهن، بل يتعدى ذلك للعيش في الخيال إذا ماصح التعبير، فضلاً عن التركيز على بعض القيم والمفاهيم والرسوم والأشكال وحتى الألوان أيضاً.
الاختصاصية النفسية سناء محمد حمود أوضحت أن مشاهدة الأطفال للتلفزيون بدت عادة منذ الصغر، وتحديداً لأفلام الكرتون أمراً شائعاً ومعروفاً، كما أنها أصبحت أمراً خطيراً بالرغم من الفوائد المكتسبة عند مشاهدتها كالتسلية، وتعلم بعض السلوكيات الجيدة أحيانا، لكن الأضرار الناتجة عن مشاهدتها طويلاً، تفوق تلك الميزات كثيراً، بينما من المفترض أن تتخذ مشاهدة الكرتون على الخيال والتفكير صورة إيجابية، إلا أن الدراسات الطبية تؤكد بأن القيام بذلك في سنوات مبكرة، من شأنه أن يكبح جماح خيال الطفل، ويقلل من قدراته الذهنية الخاصة بالتفكير، ويؤثر سلباً على ذكائه، ويقيم حاجزاً رفيعاً بين ضرورة ممارسته الألعاب البدنية التقليدية في سنوات عمره الأولى، والمنعكسات الصحية نتيجة تلك الرياضة، ودفعه للمشاهدة لبرامج قد تدفعه لممارسة العنف، وبعض التصرفات الغير محببة في الأسرة والمجتمع.
وأضافت حمود أنه في الوقت الذي تقوم فيه بعض الأفلام الكرتونية بعرض مشاهد عنف ودماء، لا تتناسب تماماً مع عقلية الأطفال الصغار، نجد أن تأثرهم السلبي بتلك المشاهد يحدث بشكل أسرع من المتوقع، فيظهر في صورة افتعال الأزمات مع الأخوة والأصدقاء، واللجوء للعنف قبل التفكير بهدوء، ما يمهد لخلق شخصية عدائية لا تقبل بالحلول الوسطى.
وبشأن تعلم ثقافات مختلفة، أوضحت الاختصاصية النفسية، من المعروف أن أغلب أفلام وبرامج الكرتون، هي في الأصل أعمال أجنبية، ولكن تم دبلجتها ليشاهدها الأطفال العرب، ما يدعو للقلق كون تلك الأفلام الكرتونية دائما ما تتبنى أفكاراً غريبة، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، فهي بالنهاية لا تتناسب مع ثقافاتنا وعاداتنا، ما ينتج عنه في النهاية تشتت ذهن الطفل الذي تنتابه الحيرة بين ما يراه يومياً في منزله ومدرسته، وبين ما يشاهده في تلك الأفلام.
وأوضحت حمود كيف يعاني الأطفال بشكل عام من أوقات الفراغ نظراً للإجراءات الاحترازية المتخذة لمواجهة جائحة كورونا، وهذا بالتأكيد لايمنع من تنظيم تلك المشاهدة واختيار البرامج المفيدة لملء هذا الفراغ، وأن يلجأ هؤلاء في أوقات فراغهم إلى مشاهدة الأفلام التي تجذب انتباههم، و تتضمن مؤثرات بصرية وسمعية تبهرهم وتأخذهم إلى عالم الرفاهية والمتعة، دون أن ننسى ان تلك الأفلام تتنوع بين سيئة وأخرى مفيدة، ولذلك فهي سلاح ذو حدين، مايستدعي القول مرة اخرى وجوب متابعة الوالدين مشاهدة الأفلام مع الأطفال ومعرفة إن كانت تناسبهم أم لا، لأن المشكلة الأكبر تكمن باحتواء بعضها على عنف وعادات سيئة تتسبب في حدوث مشكلات نفسية وسلوكية لأطفالهم.
وقالت حمود: يجب أن تركز تلك البرامج على قيم مختلفة تساهم بتقوية العلاقات الاجتماعية، وتحثهم على الالتزام بآداب الطعام والنظافة والتعاون، كما من الضروري أن تقدم باللغة الفصحى، لأن ذلك يساعد الطفل على اكتساب مفردات جديدة قد يفتقدها في المحيط الأسري، وأضافت من الضروري الانتباه لمصدر تلك الأفلام ولاسيما أن بعض مؤسسات الإنتاج تقوم بدبلجتها بهدف تحقيق الربح المادي، وهو ما يحجبها عن معرفة السلبيات التي يدسها أصحابها الحقيقيون بمحتواها، لأن معظم الأفلام تكون مدبلجة من الأفلام الغربية وتشتمل على عادات وتقاليد مختلفة عن مجتمعنا الشرقي، وقد تكون بعيدة عن أخلاقنا وقيمنا.
واشارت حمود أيضاً لبعض السلبيات، من حيث جلوس الأطفال لوقت طويل ما يؤثر على صحتهم وإجهاد العين، وعدم الحصول على قسط كاف من النوم نتيجة الأرق.
وبهذا نجد أن مشاهدة الأطفال لأفلام الكرتون تتخذ منحيين نافع والآخر ضار، ومن الضروري الانتباه بأنها تشكل غزوا فكريا يستهدف عقولهم وفهمهم للحياة .