الثورة اون لاين – هنادة الحصري:
لا شك بأن ماهية الوجود الانساني تتحقق في فترات من تقاطع الزمان والمكان . هو عمر الكائن ينوس بين الطفولة و الشباب و الكهولة .
يخامرنا فرح ما أو ما يشبه الزهو بكينونتنا و نحن نمر بفترة الشباب ، ومحاولة بسيطة للدخول إلى رحاب الحياة نكتشف كم هي رائعة فترات الشباب بانطلاقها و عنفوانها بتوهجها ، بتنوع تجلياتها ، بالضوء المتسلل إلينا و الذي يمنحنا الدفء و الحركة و البهجة فنفيض بماء العافية و بشارة المطر الاّتي، نمتلئ بأحلامنا النابضة باتساع الكون ، و الأمداء الوسيعة محفوفة بالخضرة و أطواق الفل ..
و نسير باتجاه حركية الحياة و في داخلنا خوف مزروع في الخواصر و الأشياء و قلق من أن نكبر و تمضي فترة الشباب ووعينا يتطور بفعل التماس الكامل بالحياة و هنا تبدأ المفارقات فرغم أن وعينا يتطور إلا أننا نظل نحلم بالخضرة نبتعد بها عن خشب الروح و نظل نحاول المستحيل للتمسك بالشباب فتارة نبدأ بطرق التغذية الصحية ، و نرفقها بالرياضة و بعمليات التجميل المتفشية إن كانت مبررة أم لا مرورا بمساحيق التجميل و التي جاء في احصائية كم من أرقام عالية تستهلكها النساء.
الحس الجمالي قيمة لا تغادر الشعراء ، فالشعراء هم من يصنع الجمال والحياة و كما يقول رامبو : ” الشعراء لا يريدون تغيير العالم فحسب و انما تغيير الحياة ” و لكن هل يعتبر الجمال جمالا إن لم تغذيه الروح ؟ فاللوحة تبقى باهتة دون روح و القصيدة تبقى شاحبة دون روح ، فالجمال يقبع في الروح التي تغذي اللوحة والقصيدة ، وما على المتلقي إلا الغوص في عمق اللوحة و القصيدة لاكتشاف روح الشاعر و الفنان ولاستنباط مكامن الجمال و مواطن الانسجام بين الرمز والروح و اللون .
لا شك أن الجمال كقيمة نجده عند أطباء التجميل و صالونات الجمال وهذا واقع حقا ، و لكن الجمال إذا لم ينبع من الداخل فلن تكتمل اللوحة ، ولن تستطيع يد أي صانع جمال إضفاء معالم الجمال الحقيقي ، و من لا يمتلك داخلا جميلا فلن تستطيع أيدي مبدعي العالم كله خلق جمالياته ..
يطلع داخلي تساؤل غريب لماذا لا نكتفي نحن النساء بما حبانا الله من نعم و نسلم للطبيعة البشرية و ندرك بأن لكل عمر جماليته ؟
الجواب ربما هي منظومة الفكر المتراكم التي لا تتعامل إلا مع شباب المرأة و أنوثتها قبل النظر إليها كانسانة ، فالمشكلة الحقيقية في البنية الذهنية للمجتمع و هي تكوينات يصعب زوالها …
تقول النظريات الحديثة إنه لم يعد هناك مكان للقبح فكل امرأة تمتلك نقطة جمال لها أن تشتغل عليها .. و لكن كيف نبادر إلى ترميم النفس و نحن نعاني من أزمة غياب الرضا عن مظهرنا و لا نملك تصالحا مع داخلنا و ليس لدينا قبول لأنفسنا ؟…
إن الرضا يبعث في النفس طمأنينة من نوع مختلف ولا شك بأنه علينا التمتع بميزة تقدير الذات فينعكس ذلك على أرواحنا فتمدنا بطاقة عجيبة فقبولنا لأنفسنا هو أول خطوة على طريق الجمال الذي نصنعه بأيدينا .. و لنتذكر بأن دورة الحياة تبدأ بالشباب و الربيع و تنتهي بالشيخوخة و الخريف و هذا هو قانون الوجود و لن تستطيع هزيمة الشيخوخة إلا بالروح التي تحيا شابة إلى الأبد و صدق كوكتو حين قال :” كلما تقدمت الشيخوخة ثبت لي أن ما تلاشى هو الأحلام “.
و أخيرا يبقى مفهوم الزمن ضبابي و يخضع لفلسفة الإنسان الخاصة . هي الحياة تنادينا و تصرخ تريد من يأتي ليمسك بتلابيبها و يروضها ثم يحولها شعاع من نور .