الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
سيحكم جو بايدن تجارب اجتماعية ليبرالية مشوهة متنكرة في صورة الديمقراطية واستقرار الأمة ، لقد كانت هذه الصورة صارخة لم يسبق لها مثيل في واشنطن العاصمة ، كانت عاصمة مغلقة محاطة بالأسلاك الشائكة و 25000 جندياً يحاصرون الكابيتول ، إنها خلفية سريالية لتنصيب جو بايدن الرئيس رقم 46 .
إن العذر الذي قدمه الديمقراطيون لتحويل “ما يسمى قلعة الديمقراطية” إلى سجن شديد الحراسة ، لا يرجع إلى تنامي انعدام الثقة في العملية الانتخابية ، كما لم يتم إلقاء اللوم على وسائل الإعلام الرئيسية والشركات التكنولوجية الكبرى التي أسكتت أصوات نصف الناخبين الأمريكيين بالضبط ، لا ، إن اقتراح مثل هذه الأشياء غير العقلانية سيجذب صيحات “نظرية المؤامرة” من المعرض الليبرالي ، ففي الحقيقة إن كل “المتمردين” الذين غزوا مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني كان ذلك بدافع النيات الشريرة المحضة المتجذرة في العنصرية والفتنة وعقيدة تفوّق البيض .
على الرغم من الاجتياح الكامل للمشهد السياسي لايزال اليساريون مصابين بنوبة جماعية من الغضب والهستيريا التي لا تظهر أي علامة على تراجعها ، بسبب عدم النضج السياسي في الصفوف ، ولأن “انتصار” اليسار لم يعد يعني الفوز في الانتخابات ، فإن هؤلاء المتعصبين لن يهدؤوا أو يهنؤوا بالراحة حتى تُجرّد المعارضة السياسية من صوتها وتمثيلها ، بمعنى آخر عندما يتم طمسها بالكامل وبشكل لا لبس فيه .
وبالنظر إلى الميول السياسية لشركة Big Tech و Big Media ، فإن هذه الأحلام أصبحت في متناول اليد بشكل خطير ، هذه السياسات المدعومة من العولمة ، مثل وقف تمويل الشرطة ، وفتح الحدود ، وتشويه سمعة البيض باعتبارهم عنصريين ، وإضفاء الطابع الجنسي على عقول الأطفال في سن الابتدائية – كل هذه الأفكار مصممة لزعزعة استقرار الأمة تماماً وجميع مؤسساتها الأساسية ، وأي شخص يتحدث ضد هذه المبادرات الطائشة سيلقى أقسى العقوبات التي عرفها الإنسان على الإطلاق ، في الواقع تمت صياغة قانون “الإرهاب المحلي” والذي إذا أقره الكونغرس ، سوف يذهب بعيداً في خنق أي أصوات معارضة من اليمين .
ينص السطر الأول من التشريع المقترح ، المعنون “قانون منع الإرهاب المحلي لعام 2020” ، والذي تم إعداده بشكل ملائم قبل أسابيع قليلة من اندلاع أعمال الشغب في الكابيتول ، على أن “المتعصبين للبيض وغيرهم من المتطرفين والتابعين لليمينيين المتطرفين هؤلاء يشكلون إرهاباً محلياً ، وهو التهديد الذي يواجه الولايات المتحدة … ولم نلحظ بين السطور أي شيء على الإطلاق يتعلق ب(حياة السود مهمة) ، ومع ذلك كانت هذه الجماعات مسؤولة عن إحراق ونهب الكثير من الأماكن في جميع أنحاء الولايات المتحدة بعد “وفاة” جورج فلويد أثناء اعتقاله من قبل ضابط شرطة .
قبل أيام من تنصيب بايدن ، خرجت وسائل الإعلام بكامل قوتها لنشر فكرة العلاقة بين مؤيدي ترامب اليمينيين والجماعات الإرهابية مثل القاعدة ، لقد رأيت ديناميكية مماثلة في تطور القاعدة في العراق ، حيث اتبع جيل كامل من “الشباب العربي” زعيماً قوياً وعدهم بإعادتهم في الوقت المناسب أو نقلهم إلى مكان أفضل و”هذا يحدث الآن في أمريكا ” ، إذن ، ها هي مباشرة في فم الحصان الحقيقة المؤسفة ” الولايات المتحدة تتجرع السم الذي صنعته” .
كانت هناك فرصة ضئيلة لرسالة متوازنة في خطاب تنصيب جو بايدن فيما يتعلق بالمشاكل العديدة التي تطارد أمريكا الآن ، وفي الواقع كان العنوان مليئاً بالكلمات المبتذلة الدافئة حول “الوحدة” ، فضلاً عن الإشارات إلى العنصرية وعدم المساواة الخاصة ب “مؤيدي ترامب العنصريين” ، وكان من الطبيعي أن يلمِّح بايدن إلى “تصاعد التطرف السياسي وتفوق البيض والإرهاب الداخلي الذي يجب أن نواجهه وسنهزمه” بعد أيام فقط من أعمال الشغب التي وقعت في مبنى الكابيتول من قبل أنصار ترامب ، والتي كانت وسائل الإعلام السائدة البائسة تبذل جهداً كبيراً لوصفها بأنها حدث “عنصري” ، وأوضحت الرسالة بوضوح لمن تقرع الأجراس .
مرة أخرى ، عند مفترق الطرق الخطير في التاريخ الأمريكي ، فإن أي أمل في تحقيق اختراق حقيقي بين الحزبين محكوم عليه بالفشل ، وأكثر من ذلك الآن حيث يطالب التقدميون الراديكاليون في الحزب الديمقراطي بإصلاح اجتماعي وثقافي وسياسي ، لن يلتزم أي محافظ حقيقي بهذه التغييرات ، في الوقت نفسه لم يتم فقط هزيمة صوت ومظاهرات اليمين بوحشية ، بل يتم استيعابها في الواقع تحت شعار “الإرهاب الداخلي” ، وهذا يمثل أوسع فجوة بين الحزبين السياسيين الأساسيين في الولايات المتحدة ، والتي ما لم يتم سدها بسرعة ، ستنتهي بكارثة وشيكة للتجربة الأمريكية في الديمقراطية .
بقلم : روبرت بريدج
Strategic Culture