الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
بينما تستمر التنازلات في ملف القضية الفلسطينية والوقوع في فخ التطبيع المجاني مع الاحتلال الإسرائيلي نزولا عند ضغوط ورغبات الولايات المتحدة الأميركية، تأتي المواقف الإنسانية التضامنية الرافضة للتطبيع مع هذا الكيان المغتصب من بلاد بعيدة، حيث وقع قبل أيام أكثر من ألف فنان وفنانة من ايرلندا تعهداً بمقاطعة كيان الاحتلال الإسرائيلي ثقافياً وذلك تجاوباً مع حملة أطلقتها “مبادرة التضامن الايرلندي الفلسطيني”.
وقد اعتبرت منسقة العلاقات الثقافية في المبادرة زوي لولور في بيان نشر على موقع المبادرة الإلكتروني إن وصول عدد الموقعين على الوثيقة إلى أكثر من ألف فنان يشكل علامة فارقة على مدى تضامن الشعب الايرلندي مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والعدالة والمساواة.
وتلزم الوثيقة الموقعين برفض تنفيذ أي فعاليات في كيان الاحتلال الإسرائيلي وأي نشاطات ثقافية مشتركة ورفض التمويل من أي مؤسسة مرتبطة بحكومة الاحتلال إلى حين امتثاله للقوانين الدولية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
ويعتبر هذا التعهد الايرلندي أول مقاطعة ثقافية منظمة لكيان الاحتلال على الصعيد الوطني وتبعتها مبادرات مماثلة ناجحة في سويسرا وجنوب إفريقيا وبريطانيا وفي أماكن أخرى.
وبينما ينهي الشعب الفلسطيني عامه الثالث والسبعين وهو يعاني من التهجير والطرد والتطهير العرقي والفصل العنصري والنفي القسري.. ومع فشل الحكومات الغربية في معاقبة كيان الاحتلال فإن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى تضامن أصحاب الضمير من أحرار العالم معه، وهذا التعهد الثقافي يلعب دوراً رئيسياً في ذلك.
حركة مقاطعة الكيان الإسرائيلي وسحب الاستثمارات منه وفرض العقوبات عليه( BDS) هي حركة مقاومة سلمية لا اقصائية، مناهضة للعنصرية بأشكالها كافة بما في ذلك الصهيونية، وهي حركة فلسطينية المنشأ، عالمية الامتداد تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والأبارتيد الصهيوني، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
وتتناول مطالب الحركة آمال وحقوق مكونات الشعب الفلسطيني التاريخية كافة من فلسطينيي أراضي العام 1948 إلى قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، إلى المخيمات والشتات، والذي شرذمه الاستعمار- الاستيطاني الإسرائيلي على مراحل.
وكانت الحركة أصدرت نداءً تاريخياً في عام 2005 موجهاً لأحرار وشعوب العالم، يطالبهم بدعم مقاطعة الكيان الإسرائيلي كشكل رئيسي من أشكال المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية، وكأهم شكل للتضامن العالمي مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه.
ففي عام 2005، شارك أكثر من 170 جسماً من اتحادات شعبية ونقابات وأحزاب ولجان شعبية ومؤسسات أهلية فلسطينية في إطلاق النداء التاريخي لمقاطعة الكيان الإسرائيلي، مناشدين أحرار العالم بمقاطعة كيان الاحتلال وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
ومن أبرز نشاطات الحركة قيام جامعة جوهانسبورغ بقطع علاقاتها مع جامعة إسرائيلية، وتبني الاتحاد الأوروبي قواعد تمنعه من تمويل الشركات والجهات الإسرائيلية المقامة في المستعمرات في الأرض المحتلة عام 1967، وجميعها غير شرعية، كما حذر الاتحاد الشركات الأوروبية من مخاطر التعامل مع المستعمرات، وتصويت كنائس أمريكية، بما فيها الكنيسة المشيخية في الولايات المتحدة وكنيسة المسيح المتحدة والكنيسة المنهجية المتحدة وصندوق استثمار الكويكرز، لصالح سحب استثماراتها من شركات وبنوك متواطئة في الانتهاكات الإسرائيلية في الأرض المحتلة.
وتبرز هذه النشاطات وغيرها أهمية المقاطعة ودورها في تعزيز ثقافة المقاطعة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية وأثرها الكبير في الضغط على الكيان الصهيوني وعزله عالمياً على المستوى الشعبي، كما تعري مواقف الجهات الساعية للتطبيع بأي ثمن، فمهما كانت أثمان المقاطعة فإنها تظل أقل كلفة من مكتسبات التطبيع التي يتحدث عنها البعض لتبرير انزلاقه إلى هذا النفق، إذ ليس حال الجهات المطبعة منذ عقود بأفضل من الجهات التي قاومت وصمدت في وجه المشروع الصهيوني.
فالتطبيع يعني التنازل عن الحقوق والتفريط بها وبالتالي الاستسلام لرغبة العدو الصهيوني وأطماعه، بينما الصمود والمقاومة هو الذي يحمي الحقوق ويضمن عودتها إلى أصحابها، مع المحافظة على كرامة الوطن والشعب، وما من شك أن مقاطعة الكيان الصهيوني في أي مجال ولو كانت ثقافية، فإنها تسهم في تعزيز جبهة المقاومة والصمود، وتخفف أعباء النضال في سبيل استعادة الحقوق المغتصبة وتحرير الأرض المحتلة وصون الكرامة الوطنية.