الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
قد تبدأ حياة الإنسان بحلمٍ، وتنتهي بحقيقة، وهكذا هي الحياةُ حين تتصدّى لها النفوس العالية، متدرِّعةً بالهممِ الفتيّة، فالفتوّة لا تقتصر على الفتى الناشئ، بل تتعدَّاه لمن امتلك منائرَ الشبيبة في قلبه وروحه، مدعومةً بالحكمة والتبصّر.
إذاً، كيف نترجمُ أحلامنا إلى حقائق؟!.
عندما طلب جلجامش الخلود عبر أحلامه اللانهائية، لم ينتظر أن تأتيهِ النتيجة على طبقٍ من وحي، بل سلَّح نفسه بالعزائمِ، وخاضَ مهاولَ الأخطار سعياً للقبضِ على حلمه المنشود، ولما أدرك أن لا خلود له عبر الجسد، لم يقع فريسة اليأسِ، لأن تجربته فتحت له باباً لحلمٍ قريبٍ، حين استحال عليه الحلم البعيد، أو عندما أدرك أن الخلود بما يتركه وراءه من عملٍ يُخلِّده، وها هو اليوم يُذكر، كما لو أنه حيٌّ ماثلٌ أمامنا.
كلُّ شيءٍ يبدأ بالحلم، فإن تقاعسَ الإنسان عن التدبير في سبيلِ تحقيقه، بقي وهماً يطارده، كما يطارد السَّرابَ، بدويٌّ تائهٌ في الصحراء.
نعم، كلّ شيءٍ يبدأ بالحلم، والإنسان عبدُ أحلامه، فهل يصحُّ أن نركن إلى أحلامنا الصغيرة، ونعمل على تحقيقها، ونكفُّ عن الكبرى منها؟!.
إن فعلنا ذلك، سيكون الفشل رفيق مساعينا، والسبب أنَّ الحلم الصغير لا يتحقَّق إلا بتراكمِ الأحلام الكبيرة. تماماً، كما تراكمت على جلجامش أحلام الخلود المطلق، فنالَ الجزئي منه.
تبقى الأحلام أسيرة الخيال، وكلّما أوغلنا في الخيالِ بعداً غير مُدرك، استطعنا ترجمة الخيال الأقرب، وحقَّقنا مبتغانا من رؤانا، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الأسرة والمجتمع والدول، فلقد تمكّنت أحلام القادة العظماء عبر التاريخ، من جعلهم يحفرون أسماءهم على الصخور، وقناطر القلاع.
والحلمُ قد يكون شريراً، وقد يكون خيِّراً، فكلُّ يحلم وفقاً لطاقةِ النور أو الظلمة التي في نفسه، وهذا هو الصراع الأبدي بين الخير والشرِّ، على قاعدة الحلم العابر للنفسِ البشرية.
يبقى الخيال على قيد الحلم، والحلم على قيد العزيمة، و”على قدر أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ”.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء2-2-2021
رقم العدد :1031