المسؤولون الأميركيون ممن كان لهم دور كبير في رسم خرائط الحرب الإرهابية على سورية، وشاركوا في بعض المراحل بعمليات تحريض الإرهابيين لارتكاب الجرائم، وتأجيج أعمال العنف والفوضى، يقرون اليوم بشكل علني بأن أميركا فشلت في تحقيق أي نتائج ملموسة في سورية، عبر إدارتين متتاليتين ” أوباما وترامب”، وهذا الاعتراف جاء على لسان المسؤول الأميركي والأممي السابق جيفري فيلتمان، والسفير الأميركي السابق روبرت فورد، وكلاهما وجّها نصائح لإدارة بايدن لتغيير نهج تعاطيها مع الحرب الإرهابية على سورية، ومن دون أن يخرجا عن إطار عقلية الغطرسة التي تحكم المسؤولين الأميركيين على مختلف انتماءاتهم الحزبية.
أحد النصائح الموجهة لبايدن ضرورة سحب قوات الاحتلال الأميركي، وإعادة تقييم السياسة المتبعة تجاه ميليشيا “قسد”، وهذا ما أشار إليه فورد في سياق اعترافه بالفشل الأميركي، وكلامه هذا يعني أنه رغم كل الدعم الأميركي للتنظيمات الإرهابية، والأموال التي صرفت على برامج تدريب وتسليح المرتزقة التكفيريين المنضويين تحت راية تلك التنظيمات تحت مسمى “معارضة معتدلة”، وهم بمئات الآلاف، لم تستطع أميركا كسر إرادة الصمود لدى السوريين، وبالتالي أخفقت في تنفيذ مشروعها التقسيمي، وهذا يعطي مدلولاً حقيقياً على أنها باتت تدرك استحالة تحقيق أهدافها العدوانية في ظل الصمود الأسطوري الذي يبديه الشعب السوري بمواجهة مخططاتها الاستعمارية، وبأن استمرار دعمها لذراعها الإرهابي “قسد” كواجهة لمشروع التقسيم لن يغير من حقيقية أنها ستفشل مجدداً.
ميليشيا العمالة “قسد”، يفترض أن تكون معنية بقراءة نصيحة فورد للإدارة الأميركية الجديدة، لاسيما وأنه أشار ضمنياً إلى ممارساتها الإجرامية والقمعية بحق أهالي المنطقة التي تحتلها وما تخلفه من تداعيات تهدد بتقويض وجودها، وأكد أنها لن تكون قادرة على حماية نفسها على المدى الطويل من دون الدعم الأميركي، ولكن المشكلة أن هذه الميليشيا تفتقد للرؤية السياسية، ولا تفقه قراءة المتغيرات الطارئة، وإمكانية تخلي مشغلها الأميركي عنها في اللحظة التي ينتهي فيها دورها الوظيفي، فهي مجرد عصابة قطاع طرق، تنفذ ما يملى عليها فقط، ومتزعموها أنفسهم قد تحدثوا أكثر من مرة في السابق بأن مشغلهم الأميركي ” طعنهم في الظهر”، وامتثالهم المتواصل للأوامر الأميركية التي يترجمونها على الأرض، بارتكاب المزيد من الجرائم بحق أهالي منطقة الجزيرة، يثبت أنهم مجرد أداة رخيصة في مشروع التقسيم الأميركي، ووجودهم الطارئ على مشهد الأحداث لا بدّ وأن ينتهي عندما تقتضي المصلحة الأميركية هذا الأمر، وسبق لفورد نفسه، وأن أكد بأن العلاقة بين بلاده وميليشيا “قسد” ستنتهي يوماً ما.
اعترافات المسؤولين الأميركيين بفشل سياسة بلادهم في سورية، ربما تأتي في سياق المراجعة لإعادة النظر في هذه السياسة العدائية، وإجراء مقاربات جديدة، ولكن هذه المقاربة لن تخرج أيضاً عن إطار العمل على إعادة صوغ هذه السياسة بأسلوب وتكتيك جديد، فرغم اعتراف فيلتمان بفشل ” قيصر” وسياسة العقوبات، إلا أن معظم أقطاب إدارة بايدن كشفوا عن توجهات السياسة الأميركية العدوانية في المرحلة المقبلة، لجهة عدم التخلي عن سكين العقوبات الجائرة، والاستمرار في سياسة الاحتلال عبر الإبقاء على القواعد العسكرية اللا شرعية في منطقتي الجزيرة والتنف، والعمل على تعزيز الدعم لميليشيا الانفصال “قسد”، وهذا مرده إلى أن سياسة دعم الإرهاب والعدوان، هو نهج ثابت ليس بوارد الولايات المتحدة التخلي عنه، لأنه أحد أركان استراتيجية الهيمنة الأميركية التي يتناوب على تطبيقها كل الرؤساء الأميركيين، وإداراتهم المتعاقبة.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير- ناصر منذر