الرئيس الأميركي جو بايدن لم يزل يدعي العمل على التخلص من إرث ترامب، من أجل تلميع صورة الولايات المتحدة، إلا أنه في الواقع يسير حتى الآن وفق منهج ” الترامبية” ولكن بأسلوب “ناعم”، هو يتستر بكفن النوايا الحسنة لإخفاء أسلوب الخداع و المراوغة الطاغي على سياسة إدارته الجديدة، ونلاحظ من خلال إعلان هذه الإدارة العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أو تعاطيها الضبابي مع إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، أنها تنطلق وفق الرؤية الصهيونية ذاتها التي حكمت سياسة ترامب طيلة فترة رئاسته، وليس وفق المصلحة الوطنية الأميركية، فالرئيس الأميركي السابق انسحب من الاتفاق النووي نزولاً عند الرغبة الإسرائيلية، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان بدافع الانحياز للكيان الصهيوني والتغطية على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، واليوم تعود إدارة بايدن لمجلس حقوق الإنسان بدافع العمل على حذف البند الدائم على جدول أعمال المجلس والمتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وكذلك تضع شروطاً إسرائيلية مسبقة للعودة إلى الاتفاق النووي.
اليوم ثمة سجال دائر بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية حول من يعود أولاً للتفاوض حول العودة للاتفاق النووي، والمنطق القانوني والأخلاقي يقول بأن واشنطن هي من انتهكت الاتفاق وانسحبت منه، وعودتها لا تحتاج للتفاوض، في حين التزمت إيران بكامل بنود الاتفاق ولم تخرج منه حتى تعود، هي فقط خفضت التزاماتها رداً على الانتهاك الأميركي، وعدم إيفاء الأوروبيين بتعهداتهم، وهي احتكمت بذلك لما نصت عليه بنود الاتفاق، وامتناع بايدن عن رفع العقوبات يتناقض بالمطلق مع وعوده الانتخابية بالعودة إلى الاتفاق، ومع وضع إدارته شروطاً من خارج هذا الاتفاق تتصل ببرنامج طهران الصاروخي، وبسياستها الخارجية، هي شروط إسرائيلية بحتة، وتؤكد أن هذه الإدارة تنظر إلى الاتفاق بعيون صهيونية، فيما شرط إيران إلغاء كافة العقوبات للعودة عن خفض التزاماتها، هو حق مشروع لها، وإذا أراد بايدن بالفعل التخلص من إرث ترامب، فإن عليه إلغاء تلك العقوبات، وليس الاكتفاء بإبداء حسن النوايا فقط.
كذلك فإن إعلان إدارة بايدن العودة إلى مجلس حقوق الإنسان، ليس كافياً لإظهار الولايات المتحدة بصورة إنسانية، وهي الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان، ويكفي أن يهاجم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المجلس ويصفه بالكيان المعيب لأنه “ينتقد” الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، حتى ندرك مغزى العودة الأميركية تلك، فالكل يعلم بأن الولايات المتحدة تفتقد للمرجعية الأخلاقية في مسائل حقوق الإنسان، وسجلها العنصري حافل بالانتهاكات والجرائم بحق الإنسانية جمعاء، وهي آخر من يحق لها التحدث عن حقوق الإنسان، فهي لم تزل حتى هذه اللحظة ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق السوريين، من خلال عدوانها المتواصل المتمثل باحتلال جزء من الأرض، ودعم التنظيمات الإرهابية على مختلف أشكالها وتسمياتها، ومن خلال “قيصر” العدائي الذي أظهرها بأبشع صور إرهابها.
التكفير عن الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية، وعن أخطاء السياسات التي ارتكبتها إدارة ترامب وسابقاتها، لا تغفرها النيات الحسنة، هي بحاجة لتغيير جذري في النهج، وطريقة التفكير، وأسلوب التعاطي مع القضايا الدولية، وإدارة بايدن لن تكون أقل سوءا ممن سبقها، فهي جزء من تركيبة العقلية الأميركية المتسلطة.
من نبض الحدث _ ناصر منذر