الثورة اون لاين- هناء الدويري:
طرح الدكتور الباحث فخر الدين قباوة في أحد أبحاثه تساؤلا عن قدسيّة العربية، وضمّن الإجابة في كُتيّب عنونه “أين قدسيّة اللغة العربية”
في محاولة منه لإزاحة غبار الرّطانات الأعجمية والمحلية ومحاولة مسح ما علق بها من كلّ ماهو غير عربي أصيل، لأن الشعوب برأيه التي تحترم نفسها تدرك مكانة لغتها الوطنية والقومية في وجودها وتضعها في قمة الحرمات المقدسة وتحميها بكل قدراتها من الغزو والعدوان، خاصة وأن لغتنا العربية مهددة على الدوام، فلابدّ من حمايتها والحفاظ عليها من كلٍّ جمود أو قصور
يبدأ الباحث قباوة بحثه بالتعريف بتاريخ العربية ويعود بالزمن إلى عاد إرم ذات العماد، وعاد هذا هو سام بن نوح بحسب المؤرخ المشهور ابن الكلبي، وهو أقدم من تكلم بالعربية، ثم كانت قبائل أبنائه ثمود وطسم وعِمليق وأُمَيم وعبيل وجديس…العرب العاربة وآثارها في الجزيرة العربية وغربيها، وآثار كتاباتها بالخط المسماري تشهد وحتى بعد تفرّقهم وشتاتهم في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج(الأكاديون، الآشوريون،البابليون، والسريان والتدمريون، والأنباط، والفينيقيون وعماليق الشام والكنعانيون والمؤابيون واللحيانيون والصفويون) في بلاد الشام
وفي مناطق الحجاز ونجد(أجيال العدنانيين) وجميعهم في نسبهم يرجعون إلى الجدّ الأول المعروف في التاريخ باسم(إرَم) وفي العربية(أرم) تدلّ على الأصالة والإنسان المتفرّد، ويرد في بعض المصادر(أرمان) وفي التوراة(أرَم) ثم وصل إلينا بصيغة(آرام) وخلال تلك المراحل التصويتية المستعجمة جرى فيه تصرّف آخر فصيح، نقله إلى مانعرفه اليوم باسم (عَرَب)
فالعرب العاربة قبل ابراهيم عليه السلام بألوف وآلاف من السنوات ومن جاؤوا في عصور متأخرة(إيبلا، أوغاريت،ماري) كلهم من العرب الأقحاح وآثار لغتهم العربية مسجلّة بأقلامهم في مئات ألوف النصوص والرّقم الباقية حتى الآن…
القدسية لعروبة اللسان عرفتها الأفئدة قبل الإسلام، فقد كان العربي يعتزّ بأصالته في التعبير والأداء ويلازم ماكان عليه آباؤه وأجداده ملازمته للأوثان والأصنام التي تُعبد من دون الله، ولم يكن يسمح لنفسه بشيء من العُجمة إلا ماكان من لفظ وارد بين الأعاجم وهو في الأصل عربي مستعجم رغم تأثره بلهجات القبائل المجاورة…
وعندما جاء الإسلام صبغ عروبة اللسان بالقدسية الربّانية، أنزله الله عز وجل وأوحاه قرآنا عربيا، ووصفه بذلك الوحي الكريم وأضاف بأنه عربي غير ذي عِوَج لينفي عنه كلّ صلة بما انحرف من ألسنة الأمم المختلفة…
وبين الكفاية والوجوب لتعلّم العربية اختلف الفقهاء وعلماء الإسلام وأفاضوا البحث، وعندما انتهى البعض منهم إلى أن تعلّم العربية فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين هذا يجعل من العربية(كهنوتية) تاريخية محنطة لا يمارسها إلا قليل من الفقهاء قراءة فهم، وحصرها في النصوص الشرعية يعني أن مصادر البحث العلمي والأدبي والفني مطروحة في المتاحف والمكتبات التراثية مستبعدة عن جماهير العروبة لتعذّر تناولها كما وتترك ميادين العلم والمحادثة والكتابة والخطابة والمراسلة والبحث والتأليف في العلوم والفلسفة والفنون والآداب والاقتصاد والاجتماع للهجات المحلية الراهنة أو الرّطانات الأجنبية وفي هذا خطأ كبير أيضا وتعميم فرض الكفاية على العرب هو مصدر إهمال يهدّد العربية بالفناء…
تقديس العلماء للعربية من الصحابة والتابعين والمتأخرين من عرب ومتعربين فهم يلازمون عروبة اللسان ويتعقبون اللحن بالزجر والعقوبة ماأمكنهم الأمر،
وحول القدسّية المنشودة في ظل ماتتعرض له لغتنا العربية من تحديات يرى الكاتب أن سورية استشعرت المسؤولية العظمى في استمرار وتطور عربيتنا، إذ سعت إلى تعريب التعليم وزوّدت وسائل الإعلام والإعلان بروّاد تقويم وسداد ليحافظوا على العربية إشراقا وفصاحة وبيانا،وجعلت العربية في منزلة الصدارة في مراحل التعليم، إلا أن أصفاد العولمة والانقياد للغزوات الحضارية تكرّس الهيمنة الغازية على عروبتنا ولابدّ من انتفاضة قصوى لتلك المخاطر وترميم ماتداعى من الأسس التربوية التي تيّسر الاعتزاز بالعربية وتشجّع على إتقان مهاراتها المرجوّة
أما أحكام الاستعجام ،تعلّم اللغات يأتي للاطلاع على الثقافات الأخرى والأبحاث وهذا لايعني إهمال العربية ولايجوز اصطناع الاستعجام واعتياده أو تكلّفه في مواطن كثيرة من الكلام لأنه يمثل الهزيمة النفسية في معترك الحياة أمام الغزو العدواني وتلويث الإنسان ويؤدي إلى زيادة استبداد المعتدين والانقياد لثقافتهم وتثبيت عولمتهم وإضعاف اللسان العربي..
من هنا يكون إتقان العربية وممارستها واجبا قوميا ودينيا لكلّ مواطن في بلاد العرب.