الثورة أون لاين -حسين صقر:
لا أحد يشك بحب الأجداد لأحفادهم، لأن هذا الحب أصلاً يكنونه لأبنائهم، كما أنه لا أحد يشك باحترام الابن البار لوالديه، لكن ثمة صراعات وخلافات من نوع مختلف تنشأ أحياناً بين الأبناء ووالديهم على تربية الأحفاد، وذلك لعدة أسباب قد يكون أهمها عدم ثقة الأهل بأن أبناءهم غير قادرين على تربية أطفالهم، ولاسيما عندما يكون هؤلاء الأولاد قد نجحوا بحياتهم، فيعد الأهل أي الأجداد، أنهم أقدر على التربية، وقد وجدوا تلك النتائج بأولادهم، فتراهم بشكل أو بآخر يتدخلون بتربية الأحفاد، وهنا يضيع الأخيرون بين أسلوبين مختلفين من التربية.
بالإضافة للسبب الأول هناك الفراغ الذي يعانيه الأجداد، بعد أن يجدوا أنفسهم وحيدين بين زوايا المنزل، عندها يجنحون لإشغال أنفسهم بموضوع الأحفاد، انطلاقاً من أنهم الأقدر على التربية، و خاصة أن لهم تجربة وباعا طوبلا في ذلك.
جميعنا يعلم أن الأجداد يمنحون الرعاية والحنان والدلال وحتى المعرفة والمواعظ والحكم والتراث لهؤلاء، لأن الأحفاد امتداد طبيعي للأجداد، وهو ما يحدث التوازن المطلوب في التربية، وذلك مقابل شدة حرص الآباء وعنفهم الخارج عن إرادتهم نتيجة الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، بعكس الأجداد الذين زالت عنهم هذه الضغوط، وتراهم يتصرفون بهدوء وروية أكثر من الآباء، وقد يصل هذا الهدوء إلى حد المسامحة الزائدة وعدم مصارحة الأبوين بما يفعل الأحفاد من أخطاء.
وفي هذا الإطار قالت الجدة سلمى محسن: إن الأجداد يشعرون بسعادة وجود الأحفاد معهم، لأنهم يقتلون عزلتهم ويشعرونهم بأهميتهم، ولكن بعض الآباء والأمهات يرفضون هذا الدور من الأجداد والجدات بحجة إفساد الأبناء بالتدخل السلبي في طريقة تربيتهم لأبنائهم، متناسين أنهم بفضل هذين الجدين أصبحوا كباراً وشقوا طريقهم، موضحة بذات الوقت أن بعض الأجداد يفسدون فعلاً تربية الأحفاد بشكل غير مقصود.
بدوره قال عصام الدالي وهو جد أيضاً: إن بعض الأهل يرفضون منح سلطاتهم ومسؤولياتهم لوالديهم بتربية أبنائهم، مع السماح الجزئي بالتدخل في بعض القضايا لأهداف مختلفة، غير آبهين بأن والديهم قد يجدون المتعة في تربية الأحفاد.
وقال طارق عليان وهو أب: في الغالب يكون الأهل غير واثقين من تربيتنا لأبنائنا فتراهم بتدخلون بشكل مباشر وغير مباشر، لكن هذا يشتت الطفل، ويجعله طامعاً بأن هناك من سيدافع عنه،وبالتالي قد يخلق منه شخصاً غير مسؤول، كما أن سلطة والديه غابت عنه.
بدورها قالت الأم عفاف دروبي: يفاجأ الأجداد أنهم خرجوا إلى التقاعد بعد أن زوجوا أبناءهم، وهو ما يؤدي إلى رغبتهم بالتدخل بتربية الأحفاد، وهذا أمر غير سليم، إلا إذا اعتمد الجميع نفس الأساليب، بينما الأبناء لن يفهموا تلك الصراعات وسوف يبحثون عن راحتهم ومصالحهم، في البحث عن مكان آمن يقيهم شر المساءلة والتحقيق الذي لايدركون أبعاده الإيجابية.
الاختصاصي النفسي معتز جيرودية قال: يستثمر الأحفاد تلك الصراعات لصالحهم باللجوء إلى المصدر الذي ينافس الآخر في الاهتمام بهم، فيزيدون من إشعال النار دون قصد لكنهم يتعاملون مع المحيط الاجتماعي بما يشبع رغباتهم، في الوقت الذي لايعرف فيه أهل الأطفال أن هذه العلاقة تشبه ثلاثة أشخاص ورثة وأحياناً أربعة على إدارة مؤسسة فإن تفاهموا سارت الأمور بشكل جيد، أما إن اختلفوا فستتوقف عجلة الإنتاج، وربما تخسر كل مابنته خلال فترة طويلة، لأن لكل شخص منهم رؤيته التي أيضاً قد تكون صحيحة، لكن بنسب متفاوتة.
وأضاف إذا أردنا أن تستقيم الأمور فعلينا أن يبدأ كل منا بنفسه، لأن الجد يعلم دوره، وكذلك الجدة، ومن ناحية ثانية الأب، وكذلك الأم، وعلى الجميع ألا يتجاوزوا حدودهم، لأن المركب الذي يقوده اثنان سوف يغرق، لكون كل منهما سيوجهه بطريقته، اللهم إذا ما تمت القيادة بالتشاور.
وقال: على الجميع أن ينظروا للأمر بإيجابية ومن مبدأ المصلحة العامة للأحفاد، وعدم القيام بالأدوار المخالفة، وذلك بأن أضع نفسي مكان أبي أو أمي لأفهم ظروفهما وخير الناس أعذرهم للناس، كأن يدرك الإنسان امراً مهماً، أن أبويه لهما حق عليه، ولابد أن يجلس معهما ويناقشهما ويخصص لهما الوقت الكافي، كي لايتسلل فراغهما لأطفاله وينعكس سلباً على الجميع.