الثورة أون لاين – ميساء الجردي:
لعل التنقل بين ثناياها ومعانيها الجميلة لا يشكل ثقافة مجتمعية فقط بقدر ما تحمله لغتنا العربية الأم من قيم تمثل هوية للذات الاجتماعية وأساسا لوجودنا، وعندما نقوم بإقصاء لغتنا الجميلة التي ساهمت في تنشئتنا أو تدميرها، مع الأسف، نقوم بتدمير جانب مهم من التراث، وندمر كل ما يساعد على دمج هويتنا المشتركة ويجسد ذاكرتنا الجماعية.
وفي زمن الإهمال للغة العربية الأم وبالتزامن مع تلقين الصغار والكبار العديد من اللغات الأجنبية الأخرى، هناك تساؤلات كثيرة تطرح حول إن كانت هذه اللغات ستحل محل لغتنا الأم ؟ وهل التقدم في إطار التعليم متعدد اللغات سيدعم اللغة الأم أم يؤثر عليها سلبا؟
الدكتور أسامة قدور عميد كلية الآداب بجامعة دمشق يرى أن من يتعلم لغة ثانية يتأثر إيجابا بلغته الأم لأنه يحتاجها للإطلاع على العلوم والآداب، فهو يستخدم مفرداتها وعباراتها وتراكيبها للمقارنة بين هذه العلوم في اللغات الأخرى، ولكن هناك إهمال للغة الأم يجب تداركه بعدة أوجه ومنها على مستوى الجامعات هو إنشاء كلية خاصة باللغة العربية وبخاصة أنه لدينا عدد كبير من الطلاب في أقسام اللغة العربية، وكادر مميز من الأساتذة والدكاترة الجامعيين، إضافة إلى أن سورية أكثر الدول التي تهتم باللغة العربية حيث سميت بقلب العروبة النابض.
اللغة الضابطة لكل شيء
تقول الدكتورة منيرة فاعور رئيسة قسم اللغة العربية في كلية الآداب: إذا خسرنا اللغة العربية لم يبق لنا شيء، وبخاصة أننا في وقت ينشغل فيه الناس بالبحث عن لقمة العيش وتأمين حاجياتهم الأساسية وهذا وجع كبير قد ينسيهم أمور لغتهم. مؤكدة أن من يتعلم بلغته الأم لن ينسى، وهو أقدر على تحليل وضبط كل شيء في اللغات الأخرى، والمسافرون إلى الخارج لا يمكن أن يتخلوا عن لغتهم الأم، فهم يصلون بلغتهم الأم، ويعبرون عن فرحهم وغضبهم بلغتهم الأم، والأشخاص الذين يعتزون بلغتهم لا يقبلون الكتابة أو القراءة إلا بها.
وترى فاعور أنه يتوجب على الدولة بجميع مؤسساتها التضافر مع المجتمع المحلي للحفاظ على اللغة الأم بحيث تقع عين المواطن على كل ما هو عربي بالحرف والانتماء، ويجب وضع الحرف العربي قبل الحرف الأجنبي على كل اللوحات المتواجدة على المحلات والشركات والإعلانات الطرقية وهذا أمر مهم لتعزيز الحضور اللغوي والوطني، إضافة إلى ضرورة التحدث باللغة الأم في الفعاليات والمؤتمرات حتى لو كانت تقام في دول أجنبية فهذا ثقة بالنفس وتأكيد على الانتماء. داعية أن تحمل اللوحات في الشوارع الرئيسية أبياتا من الشعر وعبارات جميلة باللغة العربية الفصيحة لتقريب الناس منها ويرددونها بسليقتهم.
وأكدت رئيسة قسم اللغة العربية بجامعة دمشق على ضرورة إصدار قانون لحماية اللغة العربية التي نفتخر بها وبخاصة أنه لدينا لجان لتمكين اللغة العربية، لديهم صلاحيات مطلقة في دعم لغتنا الأم وعليه فإن وضع قانون حمايتها في حيز التطبيق ليس صعبا، ونحن في سورية قد عربنا الطب والهندسات والعلوم، فليس هناك صعوبة في حماية اللغة، طالما تضافرت الجهود لذلك.
وبينت في تصريحها للثورة اون لاين أن تعلم لغة ثانية حتما لا يؤثر في اللغة الأم ، بل باستطاعة الطالب أن يتقن عدة لغات بسهولة، إلا أن اللغة العربية بحاجة لعناية خاصة، وقبل كل شيء نحتاج إلى تفعيل قانون خاص باللغة العربية أسوة بالأردن، وإلى تعزيز شعور حب العربية لدى الأجيال الجديدة وهذا يحتاج إلى تعاون كل المؤسسات في تقديم اللغة العربية في طريقة عملها، وهناك تجربة مهمة وهي أننا عندما نضع برامج الأطفال باللغة العربية الفصيحة نرى الطفل جيدا في تلقي اللغة الأم ولكن عندما يكبر تضيع الفصيحة لديه ويحل محلها العامية المشوهة والمطعمة باللغات الأخرى.
ويرى الدكتور محمد العمر عميد كلية الإعلام أن تعلم اللغة الأجنبية أصبح ضرورة ملحة في الوقت الحالي ومن يدعي أن تعلم اللغة الأجنبية يعيق اللغة العربية، فهو مُخطئ، فعلى سبيل المثال عندما تعلمت اللغة الروسية، تعلمتها بالفصيحة وهذا أفادني في تعلم المزيد من المرادفات باللغة الأم، فكان ذلك دعما لها وليس نسيانها. إلا إذا كان الشخص المسافر إلى الخارج لديه عن سبق الإصرار قرار ألا يريد استخدام لغته الأم.
ولفت العمر إلى الهجمة الحالية العدائية إلى العروبة وإلى وجود ردة فعل لدى البعض تجاه العروبة والإسلام وكيف أثر ذلك على اللغة الأم، مشيرا كيف أصبحت اللغة العربية في بعض الدول العربية لغة الاحتياط وليست الأم.
الدكتورة منى داغستاني أستاذة في جامعة دمشق بينت أن تعلم اللغة الأخرى لا يمكن أن يحل محل اللغة الأم بل على العكس يصقلها ويدعمها لدى الأفراد، فالطالب الذي يختص بلغة أخرى يتوجب عليه أن يتقن اللغة الأم. موضحة أنه بالوقت الحالي نحن بحاجة إلى لغات أخرى رديفة تعزز اللغة العربية وتدعمها، فنحن لا نستطيع أن نكتفي باللغة الأم فقط ، بل هناك حاجة للتواصل مع الآخر بالتزامن مع ضرورة دعم لغتنا العربية في كل المجالات، وخاصة أن اللغة العربية في سورية هي رقم واحد بالعالم العربي