تنشط الدول الغربية والولايات المتحدة على أكثر من اتجاه لإعادة الحياة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه واشنطن بشكل فردي في عهد إدارة دونالد ترامب والبحث جار عن خيار يرضي كل الأطراف وفي مقدمتهم إيران.
في المقابل يقف العرب وخاصة أولئك الذين أقاموا الحفلات على (خبطة ترامب) موقف المتفرج والمنتظر لما سيؤول إليه هذا المخاض اليوم مع إدارة بايدن وبدلاً من ملاقاة اليد الممدودة من طهران للتعاون على ضفتي الخليج اختارت التصفيق لخيار انسحاب واشنطن من الاتفاق دون إدراك عواقب ذلك والمفاضلة مع الخيارات الأخرى.
المشكلة التي تواجه التفكير العربي ليست فقط في محدوديته وارتهان الإرادة العربية لقوى خارجية بل في غياب الاستفادة من الدروس والتجارب التي تخوضها الدول الأخرى في المنطقة ومحيطها الإقليمي وهو ما يجعل الدول العربية خارج إطار التحالفات الدولية والتي غالباً ما تتم على حساب مصالحهم.
تواجه الدول التي ظهرت هذا الاتفاق في العام 2015 تشدداً إيرانياً مقابل العودة إلى تطبيق الاتفاق بشكل كامل ولن ترضى بأقل من انهاء العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران كخطوة أولى تمهد الطريق لإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام.
لم يحسب النظام السعودي أي حساب لطريق العودة الى الاتفاق من الجانب الأميركي ووضع نفسه في موقف المعادي لإيران انسجاماً مع سياسة إدارة ترامب والكيان الصهيوني وربما لو كان القرار السعودي على الأقل حيادياً في المعركة بين طهران وواشنطن لكان وجد استجابة من الحكومة الإيرانية في قبول طلبه الانضمام إلى المفاوضات.
وكذلك الأمر لا تكتفِ بعض الدول العربية انتظار وتلقي الأوامر من أسيادهم بل تعمل على عرقلة أي خطوة لدول عربية أخرى تحد من الأخطار المحدقة بالأمن القومي العربي والجغرافيا السياسية التي تنهشها أطماع كيان الاحتلال الإسرائيلي والنظام التركي وسياسات الدول الغربية.
من الملاحظ أن الدول الست (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) التي وقعت على الاتفاق مع إيران في سباق مع الزمن لتوفير مقومات العودة إليه ولذلك نرى الأوروبيين يقومون بدورهم مع الولايات المتحدة فيما تتولى الصين وروسيا الاتحادية تليين الموقف الإيراني فيما العرب غارقون في الانتظار ومواكبة الخطوات التي تعلنها إدارة بايدن تجاه الملفات الإقليمية والمثال الساطع موقف النظام السعودي من القرار الأميركي بأنهاء حرب اليمن.
تتقدم احتمالات العودة الأميركية الإيرانية إلى الاتفاق شيئاً فشيئاً وذلك مرهون بقيام واشنطن بإلغاء العقوبات التي فرضها ترامب على إيران و التي لن تقبل طهران بأقل من ذلك حيث تدير الحكومة الإيرانية هذه المعركة الديبلوماسية على نمط حياكة السجاد الإيراني بنفس طويل مع الاستمرار في تطبيق الخطوات التي تعهدت بها للشعب الإيراني والتي تفضي في نهاية المطاف في حال لم تعد واشنطن للاتفاق إلى تلاشيه وكأنه لم يكن.
ليس عيباً الاستفادة من دروس وتجارب الدول الأخرى ويعتبر الكثير من الخبراء أن الإدارة الإيرانية للملف النووي انطوت على الكثير من الدروس المستفادة وأولها التمسك بسيادة القرار والإرادة الإيرانية وعدم التراجع أمام الضغوط والاستمرار في تطوير البرنامج النووي وعدم إغلاق باب التفاوض رغم إضافة عقوبات جديدة والأهم من ذلك سياسة النفس الطويل في التعاطي مع كل المبادرات الدولية وتعزيز قدراتها الدفاعية بوجه التهديدات الإقليمية والدولية والاستفادة القصوى من التحالفات مع روسيا الاتحادية والصين.
قد يعتبر البعض أن ثمن الموقف الإيراني كان باهظاً جداً على الشعب الإيراني وهذا واقع لا يمكن تجاهله ولكن التحدي الإيراني للغطرسة الأميركية – الغربية أكسب طهران موقفاً على الساحة الدولية لا يقدر بثمن وعلى مروجي ثقافة الارتهان للخارج أن يدركوا أن الدول والأمم لا تبنى في سنوات وأأن سيادة الدول لا تقدر بثمن.
معا على الطريق- أحمد ضوا