الملحق الثقافي* د. محمد سعيد المخلافي
أتذْكُّر.. بسمة خائفة بلا وثيقة إثبات
وطريق أفضى بنا إلى منعطفاتِ العيشِ الزجاجي،
ومضى كنهايات؛
بعجيجِ اللاشيء
وإرعاد اللاشيء
وطفوح اللاشيءِ باللاشيء
وحقيق الزلاَّت
راوغنا يا رفيق.. ذاكَ الطريق
وما يزال..
ونحنُ!
نحنُ الطيِّعين، وقد سمعنا وأطعنا للخيال
وداختْ بنا بدايات المَمَر
وعند حوافِ المُنحَدَر
قام يُعَلَّلَنَّا البَعَر
بشَّقْشِقَةِ البعير
فدارتْ برأسنا حُمَّى النفير
“ وبعنا العين الصحيحة
بالعَوَر”
ولخَّصنا المسائل والصور
بالمُقَدَّر والقَدَر
ثم واصلنا المسير بلا
دروسٍ أو عِبَر
أخذت كلّ طائفةٍ منّا طريقاً
وتفرقوا أيدي سبأ”
وقد غابَ الأماثل
وامتَثلنا للمَثَل
أو أليسَ هذا ما حصل؟
أم ألأننا أصل العَرَب
كُتِب علينا الانتشاء
في ساح الغَرَارة والعَطَب
***
ومع هذا الفناء تُبعثرنا الموانئ
ومع هذا الفراغ تستثقلنا المرافئ
والأسى الموسميّ يحتلُ فصول العام
فعلامَ نُسام؟!
ولماذا لا نتصلَّب كجذوع
الزَّان؟!
مادام الإذعان قد بات
وظلَّ هُيام
وما دامت تهَرُّ علينا المُطبِقات،
وتتقاذفنا الدائرات،
وعلينا تنتفضُ في كلِّ حينٍ
سِلال المهملات.
وعلى وقع ذِكْر الاحتراب
وفي صَدَأ الاغتراب،
هل تُحصي كم مرَّت بخاطرك السعيدة
مصقولة كنَّصل اللذات؟
وكم عدد المرات،
حاولت أن لا تتراءى في المرآة؟
كي لا تُطالع وطناً جَلْيٌ السقطات
وأنتَ خصوصاً، تحمل وجهاً سبئي القسمات
وقد ودَعَتَ بهذا الوجه
فاكتربَ الوقت، وأبكاني
كم غادرتَ يماني
ولأنَّك جئتَ يسبقك عبق الكاذي
أشجاني دهراً، بأنك
هاجرتَ ممزوجاً ببلادي..
ولِمَا بلا قوتٍ سافرتَ؟
ألم يكُ لنا آمالٌ نقتات
وقلوبٌ تزهو بالخضرة
ببلاد “القَاتِ”؟!
وبُنُّاً يمنياً حُرّا نشربه كلّ صباح
ليُسَّري عنا ظلاماً عاتي
***
أوتَذكُّر يومَ حلمنا بنهرٍ أشمٍّ وضَّاح
لننّظف كلّ الأوساخ:
زيف الاستبسال،
وأوراق المال،
وكلّ لعاب سال،
ونوايا استحضار الأرواح،
واستحضار التاريخ وقتاً
مَيْتَاً، تسكنه الأشباح
ونغسل دِّينا مصبوغاً، ليعود كما الأصلِ نقياً كالماء
ونغسلُ معنى الغرباء
وكلمات: البَون، والفارق،
والشَتاًّن
قل لي الآن..
أو ما كانت زوبعة في فنجان؟!.
فلماذا أفَلَ برغمِ
عضيض نواجذنا،
نجم الإنسان؟!
ولماذا في كلِّ ثانيةٍ،
نؤولُ إلى هَدْرٍ مُبدَّد؟
لا تقل شيئاً..
فليس هذا زماننا يا محمد
فلنعترف يا صاحبي
هذا مِسَاس السامري
زمنُ الغِش الأثري
“والمليار الذهبي”
ونزيز(الهيدروكربونات) و(قطران الفحم الحجري)
دبق كالنفط حين
يصطادُ الأفَّاقين
لزجٌ كنبوءاتِ الدجالين
زمن فُتات الصخر
وعلو سلطان الرِمَال
لا طب له..
إنه الداء العضال
وقد اعتلى الصرح
المُمرَّد
أرأيت إن كنا افترقنا يا محمد،
قبل بلوغ الأربعين
قبل أن نشَرِق بالنشيد الوطني
و تتهدَّج أصواتنا بالحداءِ الحزين
وقبل هذا الوداع الشاحب “كجبال البلاد”
والمزدحم كالقاهرة
تمنيت لو نبقى معاً في المنافي الحائرة
أو أن أنام عميقاً..
عميقاً وأصحو بلا ذاكرة
* شاعر وأكاديمي يمني
التاريخ: الثلاثاء23-2-2021
رقم العدد :1034