الثورة أون لاين – هناء الدويري:
حكايات الريف الحزين ميّزت رواية الكاتب حسين عبد الكريم وقصصه عن شخوص هذا الريف المنسي، عرضت بشكل مسهب لمعاناة تلك الشخوص ودقّقت في المواقف الإنسانية وأسهبت في تفاصيلها وأشكال العذابات التي يقاسيها الريفي بفعل الطبيعة والإنسان، وتعمّقت في وصف التفاصيل للبيوتات والحارات والينابيع والسفوح والتلال والطرق الوعرة والطاحونة البطل الرئيسي للرواية التي تطحن رحاها كل ما تصادفه أمامها كما الحياة، وتداعيات الغبار (الرمز) بكلّ ما فيه من أضرار قريبة وبعيدة على المدى المكاني والزماني، وجبهات القتال على لسان الشخصيات سواء ما دار منها في الريف مع الوحوش والطبيعة أم مع الإنسان المُستَغِل، أو في حرب كونية قديمة حديثة لم تترك الإنسان في حاله، وتداعيات كلّ ذلك تأتي في قهر وظلم وفقر وجوع وألم الإنسان في الريف “رمزاً” وفي الأوطان عموماً وحقيقة…
“تبدو الحارات وكأنها تركض خلف العيش الشقي وهي تبحث عن دنيا بعيدة…”
“أولاد المدرسة أحبّوا جابراً لأنهم سمعوا مواويله الطيبة وكرهوا قدورا لأنهم سمعوا الناس يشكون ويتأففون من قباحته وسوئه ولؤمه…”
الأنين المتوارث في مواويل الريف والناي الحزين لا يفارق جموع الناس وجلساتهم في الأفراح والأتراح فقد اعتادوه اتسّاق حياة لا ينتهي حتى بعد الموت…
أشجارهم تبثّ عطورها وأريجها وفيئها وحكايات الحبّ والتآلف ترويها أغصانها المُشذّبة حيناً والتي أكلتها الآفة أحياناً..
لغة الأرض تتحدث عن نفسها وتجبر الخاطر، وتُخبر الكون أن الريفي لا يمكن اقتلاع جذوره من تلك الأرض، وتوارثها من الأجداد إلى الآباء فالأبناء يزيد من الالتصاق في تلك الأرض رغم كلّ الصعوبات والتحديات…
يعبرون عن العشق والحبّ والزواج والعلاقات الاجتماعية والإنسانية بمودّة أهل الريف وبطرقهم البسيطة ويرضون بأبسط شروط العيش المهم أن تبقى الكرامات محفوظة والصحة والعافية جيدة والأبناء بخير يشقون طريقهم في المساحات الوعرة، ولا يعني تأجيل في اللقاء بين المحبين لأكثر من عشر سنوات انتفاء أو ذبول هذا الحب بل على العكس يزيد المحبين شوقاً ولهفة لملاقاة الأرواح المُحبّة وتصبرهم الرسائل المكتوبة المحفوظة.
وإلى الآن ما زال غبار رحى طاحونات ضيعة الحارات… وضيعات ومدن ووطن كبير…
“والطحنات القديمة محمولة على أكتاف الأيام تجد من يحملها وينشر غبارها في الناس… ليفرّق الجار عن الجار… والقرية عن القرية والشارع عن الشارع والشجرة عن الشجرة… والمدينة عن المدينة…”
لكن الأرض والمحبة والعين تجمع الناس ليشربوا في الهواجر ويملؤوا أوعيتهم وخوابيهم للعشايا وأيام العطش.
 
			
