الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
فيما مضى كنت تجد مهووساً في القراءة اعتاد الوقوف عند باعة الكتب على قارعة الطرقات باحثاً عن كنز مخبأ هنا أو هناك أو مفتشاً عن كتاب بعينه، فتصادفه كتب من نوع (تعلم الانكليزية في خمسة أيام، تعلم فنون الكاراتيه بثلاثة أيام، تعلم الفرنسية بأسبوع..) وغالباً ما كانت كتباً صغيرة هزيلة تقدم في عنوانها إغراء القدرة على امتلاك المعرفة بأبسط الأدوات وأرخصها وبأسرع وقت وكأنها سحر لا يمكن مقاومته، لا بل إن كثيراً ممن يشترونها كانوا يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم لن يتعلموا الانكليزية أو الفرنسية أو فنون الكاراتيه بهذه الطريقة، ولكن سطوة إغراء ما تُقدمه ربما كانت تشل تفكيرهم انطلاقاً من فكرة (الرمد أفضل من العمى ومهما تعلمنا منها فهو جيد).
مع تطور العصر تطورت هذه الأدوات وباتت تأخذ أشكالاً مختلفة، لا بل أصبحت باباً مشرّعاً للربح وتعمل وفق آلية منظمة وضمن مفهوم (تعلم في خمسة أيام) ذاته، فبات اليوم هناك دورات تُقام همها منح المنتسبين إليها شهادات تدريب وإن كانت مدتها لا تتجاوز الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع، والإغواء أن المنتسب إليها يظن أنه بعدة أيام قد امتلك المعرفة ونال صك إبداع فيمكنه إلحاق صفة باسمه (دون تعب حقيقي) كصفة مخرج أو ممثل أو فنان أو كاتب.. وكأنهم نالوا ألقاباً توزع بالمجان هنا وهناك، والسؤال: إن كانت هذه الشهادة تخلق هذا التحول حقاً فما نفع الدراسة الأكاديمية في الجامعة أو المعهد العالي للفنون المسرحية لعدة أعوام متتالية؟.. والأنكى من ذلك أنه في مكان آخر تجد شهادات ممهورة بأسماء أكاديميات وهيئات العديد منها غير معروف وليس له حضور فاعل وحقيقي على المستوى الثقافي أو التخصصي توزع شهادات عضوية أو خبرة أو جودة لممثلين ومبدعين، لا بل منها من يضيف صفة (العالمية) لتحمل بذلك جرعة أكبر من الأهمية والمصداقية.
ضمن هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أنشطة ودورات أخرى تبقى خارج هذا التقييم، وهي أصلاً غير مشمولة فيه، هي دورات عندما تُقام يُظهر أصحابها الهدف الحقيقي منها بشكل جلي، منها دورات تخصصية لتزيد من مهارات وخبرات العاملين أو المهتمين في ميدان معين ومدّهم بمزيد من المعارف، أو لإعطاء فكرة عن الجديد ضمن مجال بعينه، أو للإضاءة على جانب دون غيره، أو التوجه إلى شريحة عمرية منتقاة لتزويدهم بالمعرفة وتطويرهم في مجال معين، أو لإعطاء مفاتيح ليس أكثر وتبقى ضمن الإطار العام، كأن تكون دورة تسبق امتحان القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية، أو دورة ضمن إطار معين ومحدد وتُعطى الشهادة بناء على هذا الإطار المحدد، مؤكدة أنها لن تجعل من الطالب مخرجاً أو كاتباً أو صحفياً ولكنها تعطيه مفاتيح ومفاصل عامة عن هذه العوالم ليطور نفسه ويُكمل دراسته، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر دورة (دبلوم العلوم السينمائية وفنونها) التي سبق وأطلقتها المؤسسة العامة للسينما عام 2015 وباتت دورة سنوية وتخضع لمعايير في اختيار الأساتذة كما يخضع المتقدمون إلى فحص قبول، وتمتد على مدى فصلين دراسيين كاملين يضمان الجانبين العملي والنظري، وتعتبر هذه الدورة لبنة ضمن مشروع متكامل فبعدها يقدم الناجحون فيها أفلاماً تخضع للتقييم وتدخل ضمن مسابقة في (مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة). كما أن هناك دورات أخرى تفتح الباب مشرّعاً لاستقطاب الطاقات الشابة وتحمل مصداقيتها، ولكنها في العدد الإجمالي تبقى قليلة.
ذلك كله يستدعي أن يكون هناك معايير وشروط تضبط هذه الآلية لتبقى ضمن السكة الصحيحة، وبذلك يُسحب البساط من تحت أقدام من يجعل منها مصيدة يوقع في شباكها العديد من الشباب والهواة الطامعين والطامحين إلى الشهرة بأسهل الأساليب، والبون شاسع بين دورة تحمل حالة أكاديمية وتضم أسماء مشهوداً لها بالخبرة والمعرفة وتقدم ما تقدمه وفق آلية فيها نوع من المنهجية والأكاديمية، وبين دورات أخرى لا تحمل من سمة إلى حالة (السبوبة) لأصحابها.