الثورة أون لاين – فؤاد مسعد :
على الرغم من أهمية وخصوصية تلك العوالم إلا أن كثيرين لا يعرفون عنها شيئاً إلا من خلال ما يُقدم في وسائل الإعلام وما قد يقرؤونه مصادفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وربما ما يشاهدونه ضمن أعمال فنية ، ولكن مما لا شك فيه أن أصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة) لهم حضورهم في العديد من المجالات ، لا بل هناك أعمال درامية لعبوا فيها أدوار البطولة ، وبسبب صعوبة إنجاز مثل هذه الأعمال لحاجتها إلى صدق كبير ومعرفة وقدرة على حياكة نسيج متكامل بعيد عن السطحية ، بقيت بعيدة عن محرقة (الموضة الدرامية) ، لذلك نلحظ قلتها ونوعيتها في الوقت نفسه .
قدمت الدراما السورية عبر تاريخها أشخاص قد يعانون من إعاقة ما خلال سير أحدث العمل ككل أو خلال جزء منه ، فعلى سبيل المثال هناك شخصية منيرة التي أصيبت بحالة خرس وأدتها الفنانة منى واصف في (أسعد الوراق) إخراج علاء الدين كوكش 1975 ، والشخصية التي أدتها الفنانة ضحى الدبس في تمثيلية (أيام الصمت) إخراج نبيل ع.شمس 1993 ، والفتاة الصماء البكماء زهرة في الأجزاء الأولى من (باب الحارة) والتي أدتها الفنانة ديمة الجندي ، إضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى ، ولكن نادراً ما كانت شخصية (صاحب الهمّة) هي المحور الرئيسي في العمل ، ولعل من أهم ما قدم ضمن هذا الإطار مسلسل (وراء الشمس) إخراج سمير حسين وتأليف محمد العاص 2010 ، حيث أدى فيه الفنان بسام كوسا شخصية (بدر) المصاب بحالة من حالات طيف التوحد مجسداً الدور بكل ما فيه من خصوصية بكثير من المصداقية متلمساً أدق تفاصيله الأمر الذي فرض نفسه حتى على المشاهد وجعله يدخل اللعبة ويتعرف على مفردات كان من الصعب عليه أن يعرفها بمفرده ، كما ضم العمل شخصية حقيقية لمصاب بمتلازمة داون (علاء الدين الزيبق) ومحوراً آخر صب ضمن الإطار نفسه تمثل بحكاية زوجين يكتشفان أن الزوجة تحمل جنيناً سيولد معّوقاً فتصر على إنجابه .
على صعيد السينما السورية نستذكر فيلم (عرائس السكر) إخراج سهير سرميني وتأليف ديانا فارس وإنتاج المؤسسة العامة للسينما ، وأدت فيه دور البطولة الطفلة مروة الجابي المصابة بمتلازمة داون ، وتناول حكاية طفلة مُصابة بمتلازمة داون والظروف التي تمر بها وكيفية تعاطي المجتمع معها ولاسيما بعد غياب أمها الحاضنة الوحيدة لها ، ولا بد من الإشارة إلى أن السينما العالمية قدمت ضمن هذا الإطار أفلاماً هامة نال العديد منها جوائز عالمية ، منها فيلم (Forrest Gump) الذي أنتج عام 1994 وحصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وإخراج وسيناريو ومونتاج وأفضل مؤثرات بصرية وأفضل ممثل ، فيلم (I’m SAM) إنتاج عام 2001 وحصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل ، الفيلم الفرنسي (اليوم الثامن) للمخرج (جياكوفان دورمايل) 1996وقد عانى بطله من متلازمة داون ، وفيلم المخرج الإيراني مجيد مجيدي (لون الجنة) الذي استطاع بطله الطفل الأعمى حقيقة أن يبهر العالم بما قدم .
مما لا شك فيه أنه من الأهمية بمكان الإضاءة على أي إنجاز يتم ضمن هذا الإطار والتشجيع على تقديم أعمال أخرى ، لتسليط الضوء على هذه الشريحة الموجودة في المجتمع وعلى حياتها وآلية تعاطيها مع محيطها الاجتماعي والعائلي الذي تعيش فيه وردود أفعال المحيط ، وكيف ينظر الناس إليها ، وبما أن للدراما دوراً توعوياً وتثقيفياً ومعرفياً مؤثراً كان لا بد لها من الولوج إلى هذه العوالم ، ساعية إلى دمج (أصحاب الهمم) في المجتمع ومحاولة تحفيزهم وتشجيعهم للمشاركة في المجالات المختلفة ، وليتعرف أفراد المجتمع أكثر عليهم ، فعالمهم مليء بالحياة والروح وربما يحتاجون لمن يرونهم بالشكل الصحيح ليس أكثر ، ولتحقيق هذه الغاية ضمن الدراما ينبغي توفير الشروط الموضوعية من نص يتلاءم مع الحالة ويكون الأقرب إلى طرح مشكلاتها ومعاناتها ، وإخراج يمتلك القدرة على التعاطي الحساس مع صورة عليها نقل نبض الروح بما تعج من تفاصيل ، وممثلين لديهم شغف البحث والاكتشاف ليقنعوا فيما يقدموا ، وإلى منتج واعٍ ومثقف لتحقيق هدف يحمل من السمو والنبل الكثير